مقدمات في تجديد التفسير: (المقدمة الأولى):

 

كتبه: عبالقادر شاكر.

 

طيلة قرون كاد أن يتوافق جمهور المشتغلين بالتفسير على توصيفِ القرآنِ بِأنّه: المرجع الأول للأحكام الفقهية، باعتبار أنّ السّنة النبوية هي المرجع الثاني، فرسخوا - بقصدٍ أو بغيره- في أذهان العوام أنّ  السِّمة الأولى، والمقصد الأكبر للقرآن هو تأصيل الأحكام الفقهية.

فذلك توصيفٌ([1])قاصِر، وهذا تأصيلٌ([2]) باطِلٌ.

وبيان ذلك: أن الآيات التي تناولت الأحكام الفقهية العَمَليّة لا تتجاوز الخمسمائة آية على التحقيق، أو ستمائة آية على ما ذهب إليه جمع من أهل العلمِ، بتكلّف، وعلى فرضِ الثاني فإنّ نسبة آيات الأحكام إلى مجموع آيات القرآن أقل من العُشر!!!

فكيف يسوغ وصفُ القرآنِ بِأنّه مرجعٌ لأدلة الأحكام الفقهية "العَمَلية"، وإيهام توصيفه بنحو ذلك، وتغليب صبغة الفقه على مواضيعه.

وقد يقول قائل: إن ذلك مما يسوغ ذكره، ويهون إطلاقه.

وليس الأمر كذلك أبداً؛ فإنّ طغيان السّمة الفقهية على تفسير القرآن؛ تضييع لمقاصده الأخرى، وتحريف لغاياته العظمى؛ إذْ ليس من تلك المقاصد والغايات التأصيل لأدلة الأحكام التفصيلية العملية، ويدلُّك على ذلك أنه لا وجود لآية من القرآن تستقل بتأصيل وتفصيل حكم شرعي على الوجه التام.

فما جاء من آياتٍ تناولتْ في ضمنها بعض مسائل الأحكام العملية، إنما وردَتْ عرضاً، مراعاةً للمقاصد العامّة التي جاءت بها سياق الآيات.

فمن غير المقبول أن يُعرَّفَ القرآن و يُفسّر بناءً على تقعيد أو توصيف باطل مفاده: إن القرآنَ مبناه تأصيل الأحكام الفقهية العملية، وتُهدر مقاصده العامة والعظمى والتي تدور في فلك بناء الإيمان في قلب العبد، وتقوى الله تعالى، و تزكية النفوس و تهذيبها والرُقِيّ بها إلى مراتب عليا من الطهارة والطمأنينة والعدل والحكمة ونحو ذلك من الصفات النفسية والأخلاقية.



([1])أعني: كون القرآن المرجع الأول للأحكام الفقهية.

([2])أعني: كون المقصد الأكبر للقرآن هو تأصيل الأحكام الفقهية.

...

 

Copyright © 2013 All rights reserved.

Flag Counter