القسم الأول:

----------------

كتبه عبدالقادر شاكر.

يتوهم كثيرٌ من المشتغلين بالعلم -بما فيهم طلبة الحديث- أنّ السُنّةِ قد خُدِمتْ روايةً ودرايةً، و أنّ ما على الباحث أو طالبِ العلمِ إلا أن يتناول أحد كتب شروح الحديث المشهورة ليجد بغيته في تفسير أو شرح أيّ حديث أشكل عليه معناه .

وهذا وهْمٌ عريض، بل جهل خطير المآل، لا يجوز التغافل عن التحذير منه، و لا التواني في بيان ضرره وقصوره.

فقد ذكرت في مقالٍ سابق(١) أن ما يزيد على نصف الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم مما ينتهض للاحتجاج(٢) لايزال مهمَلاً غير مخدوم بشرح يليق بمنزلة الأحاديث النبوية.

بل المعدود في كتب السُنّة المخدومة بالشرح والبيان يفتقر أكثره إلى شرح كافٍ يستوفي كل متعلقات الحديث، فهذا صحيح البخاري وقد طُبع من شروحه اكثر من عشرة كتب، ومع ذلك فأنا أنظر في حديثٍ من أحاديثه، وأقلِّب صفحات شروحه الأربعة الكبرى(التوضيح والعمدة والفتح والإرشاد) فلا أجد أربعتهم مجتمعين قد استوفى متعلقاته، ولا أتى على جميع معانيه!!!

هذا مع شدة اعتناء العلماء بهذا الكتاب، فما بالكم بباقي الكتب الستة، فضلاً عن ألوف من الأحاديث المرفوعة المبثوثة في دواوين السنة الأخرى!!!

ومما يزيد من وبال هذه الظاهرة هو عدم التفات العلماء المعاصرين-الذين لهم اعتناء بالحديث وشرحه وفقهه-، إلى الاهتمام بتقريب هذه الأعداد الكبيرة من الأحاديث النبوية غير المخدومة بالشرح والاستنباط.

ففي حين نجد علماء الحديث في المملكة العربية السعودية يعتنون بشرح الصحيحين(٣) ثم باقي الكتب الستة، و نجد علماء الهند يعكفون على متن (مشكاة المصابيح) شرحاً وتحشية وتدريساً، في غالب جهودهم الحديثية(٤)، في حين يبقى المقدار الأكبر من الميراث النبوي مهجوراً، مغفولاً عنه .

 وإني أجزم بعد اطلاع واسع، أن هذا المقدار المهجور من السُنّة لو خُدِم خدمةً لائقة : لتغيّرت كثير من الثوابت الدينية، العَقَدية منها والعَمَلية والسلوكية، بل وفي سائر علوم الشريعة.

ولا أقول هذا الكلام جزافاً أو مبالغة ؛ فقد مَنَّ الله عليَّ بالاشتغال بترتيب وتقريب مسند الإمام أحمد بن حنبل(٥)، فشرعتُ في العمل فيه منذ أكثر من عشرة أعوام-ولازلت-، فانكشفت لي أثناء العمل فيه كثير من الأحكام والسنن المغفول عنها، والتي تخالف ما اشتهر وشاع بين المسلمين.

 

فعسى الله سبحانه أن يُسخِّرَ من طلبة العلم الراسخين مَن يتصدى لخدمة هذا الجزء المنسي من السنة النبوية بالشرح والتحرير ؛ إنه سميع عليم .

-----------------------------------------

(١) وهو المُعنْوَن " تذكرة العلماء الربانيين إلى تقريب المُهمَل من سُنة سيد المرسلين" .

(٢) بأقسامه الخمسة: الصحيح، والصحيح لغيره، والحسن، والحسن لغير، والضعيف الذي يتقوى بكثرة طرقه أو بالمتابعات.

(٣) كشرح صحيح البخاري المسمى (منحة الملك الجليل شرح صحيح محمد بن اسماعيل) للشيخ عبدالعزيز الراجحي و(البحر المحيط الثجاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج) للعلامة علي بن محمد الإتيوبي، وغيرها من الشروح المعاصرة.

(٤) غيرَ مُغفِلٍ لجهودهم في خدمة كتب السنة الأخرى، إنما الكلام في الغالب .

(٥) وذلك في كتاب أسميته (الإمام في ترتيب و تقريب المسند الإمام) ولا زلت اعمل فيه، وآمل أن يكون في ثلاثين مجلداً ضخماً بإذن الله تعالى.

...

 

Copyright © 2013 All rights reserved.

Flag Counter