قد تقدم في مقالة سابقة القول : إنَّ صناعةَ النُخَب هو مشروعُ النهضةِ المُغيَّب .
إذ لاتقوم لأي أمة قائمة دون وجود نُخب راقية تتولى بناءها والنهوض بها .
فكانت تلك المقالة هي الوخزة الأولى نحو هذا المشروع .
وككل مشروع فلابد -لإنشائه وتحقيقه - من كفاءات مؤهلة للاشتغال فيه قادرة على تحقيقه و إيجاده على أرض الواقع، وقادرة على استمراره ونجاحه ، وقد رأيت أن أولى الصفات الواجب توفرها كشرط للتأهل لمصاف النخب هو العقلُ المُحَرَّر والعلم المُقَرَّر .
و أعني بذلك :
أن يكون العقل متحرراً -أو قادراً على التحرر- من الثوابت الوهمية ، متحرراً من الركام المعرفي المتخلف والمغلوط، متحرراً من قيود الإرهاب الفكري.
ثم بعد ذلك أن يتحلى باكتساب العلوم المقررة، أي : التي ثبتت صحة مسائلها بعد البحث العلمي الموضوعي الدقيق، فيكون قادراً على إعادة النظر في حصيلته العلمية وغربلتها بوسائل البحث المعتبرة .
ولا أعني أن بهاتين الصفتين يصبح الإنسان في مصاف النخب، بل هما العقبة الأولى التي لا يتشرف ببلوغ مصاف النخب إلّا بعد الاتصاف بهما .
...