مثل علوم الآلة في تفسير القرآن :
المتأمل في كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ يتضح له كثرة الأمثلة المضروبة في شتى الأبواب والمقاصد ، ومن هنا فقد أردتُ توضيح أهمية إتقان علوم الآلة - أو العلوم الخادمة لتفسير القرآن - في كشف معانيه وفك مبانيه ، بضرب المثل  التالي :
فذلك كَمَثَلِ رجلٍ دخل - في ليلٍ مظلمٍ - قصراً كبيراً بالغ الإتقان في بنائه غير مُتناهٍ في كثرة تفاصيله ودقتها ، وكان مع هذا الرجل مصباح واحد فلم ينكشف له إلا بعض تفاصيل ذلك القصر الرائع ؛ لشدة الظلام ، فغاب عنه أكثر مما انكشف له ، ثم إنه عاد لزيارة القصر مرة أخرى وجلب معه مصباحين وأوقدهما معاً فانكشف له مزيد من دقائق وجمال ذلك القصر ، وظهر له من أسراره أكثر مما انكشف له في المرة الأولى ، فأدركَ حينها ضرورة الاستعانة بمزيد من المصابيح لاكتشاف جمال ودقة بناء ذلك القصر ، فعاود الزيارة وجلب معه مزيداً من المصابيح وإذا به تنكشف له من الأسرار والدقائق الرائعة في ذلك القصر ما لم ينكشف له في زياراته السابقة .
ثم إنه حكى لصاحبه ما رآه فأراد صاحبُه ان يختصر ما فعله الأول فجلب معه مجموعة من المصابيح ، فدخل القصر لكنه مع ذلك لم يدرك تلك الدقائق التي أدركها الأول رغم أنه جلب معه عدداً أكبر من المصابيح ؛ وذلك لِعَمَشٍ في عينيه .
فأدرك الأول حينها أنه لابد -لاكتشاف دقائق ذلك القصر- من اكتمال وسائل الإبصار مع سلامة البصر في آنٍ معاً .

 


  فالقصرُ هو القرآن ، و الزائر الأول هو المتدبر للقرآن ابتغاء فهمه وتفسيره ، وكلّ مصباح هو بمثابة علمٍ من علوم الآلة ، فكلما زادت المصابيح : زادت معها القدرةُ على إبصار مزيد من الدقائق والأسرار في ذلك القصر .
وكلما اشتدت حِدة البصر كان ذلك أدعى إلى رؤية ما لا يدرك بمحض وجود الإضاءة .
ثم إن الزائر الثاني هو متدبر آخر ، وضعفُ البصرِ هو من  ضعف بصيرته ، أو انطماسها ، فليس كل من أتقن علوم الآلة انكشفت له ذات المعاني (كَمّاً ونوعاً ) بل لابد مع علوم الآلة : من حِدّة البصر الذي هو نقاء البصيرة والاستقامة .
???????
{وتلك الأمثالُ نضربها للناس وما يعقلها إلا العالِمون)


...

 

Copyright © 2013 All rights reserved.

Flag Counter