وقول النبي ﷺ :(هَلاَكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ أُغَيْلِمَةٍ سُفَهَاءَ) رواه البخاري معلقاً بهذا اللفظ مبوباً به للحديث رقم 7058 .
وقوله ﷺ: ( يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ...» [الحديث رواه البخاري 5057]
وقوله ﷺ: (إنَّ مِنْ أشْراطِ السَّاعَةِ أنْ يُلتَمسَ العِلمُ عِنْدَ الأَصاغِرِ) رواه الطبراني في الأوسط 8136 وصححه الألباني في الصحيحة 695 .
قد تناول المصلحون أسباب الفساد و إثارة الفتن في دروس ومواعظ وكتب كثيرة ، بين مُقرِّب ومبعِّد عن تشخيص تلكم الأسباب .
وقد تأملت منابع الفتن الكبرى والصغرى التي أثيرت في دين الله تعالى في الأزمنة المتأخرة فوجدت أكثرها كان لحدثاء الأسنان الدور الكبير في إثارتها وتأجيجها ، ولا أعني بحدثاء الأسنان هنا صغار السن فحسب بل الحدثاء ثلاثة أنواع وهم :
1- حدثاء عهدٍ بِسِنٍّ
2- حدثاء عهدٍ بِتديُّن
3 - حدثاء عهدٍ بِعلم
و في عصرنا هذا إذ يثرثر الجُهال داعين إلى ضرورة تصدر الشباب -صغار السن- للنوازل الكبار ، وضرورة إعطائهم الدور الريادي في قيادة الأمة وصناعة مصيرها ، بما أثار تأييد و إعجاب كثير من الناس متوهمين أن الشباب (حدثاء الأسنان) هم الأقدر على القيادة والتجديد والإصلاح ، في حين نرى الواقع مغايراً بل معاكساً لهذه الدعاوى الكاذبة ، فقد أفسد هؤلاء الحدثاء أكثر مما أصلحوا ، وذلك لما تصدروا مواقع القيادة في الدين والدنيا .
فلو نظر المتأمل في أحوال الجماعات الإسلامية المنحرفة والمتطرفة لتبين أن أكثر قياداتهم هم من الحدثاء المتحمسين ، وهم غالباً – وكما أشرت – إما :
حدثاء عهد بتَديُّن ، قد هُدِي إلى الاستقامة منذ أمد قصير .
أو حدثاء عهدٍ بعلم لا يتجاوز عمره العلمي بضعة أشهر أو سنوات .
أو حدثاء عهد بسن ، لا يكاد يجاوز سن المراهقة !!!
وليس في ذلك مبالغة أو تجنِّي ، فأنا إنما أحكي و أصف ما رأيته وعلمته بنفسي من شأن أولئك المساكين ، هداهم الله الصراط المستقيم ، وكفى الله شرهم عن المسلمين .
فكل حديث عهد بعلم هو من الحدثاء ولو جاوز عمره الخمسين .
وكل حديث عهد باستقامة هو من الحدثاء ولو جاوز عمره الخمسين .
وكل حديث عهد بسن هو من الحدثاء ولو طال عهده بالعلم والاستقامة معاً ؛ فإن لطول العهد بالعلم من الآثار والثمار ما لايجده طالب العلم في كتاب ولايسمعه من فم عالم .
و إنكم لو تأملتم الأحاديث التي صدرتُ بها هذه المقالة لتبين لكم الإشارات النبوية المحذرة من تصدر الصغار لكبار الأمور .
وقديماً ذكرت في إحدى المقالات :
إن الأمة إذا رفعت كبارها ووضعت صغارها فقد سلكت سبيل العز والتمكين .
و إذا رفعت صغارها و وضعت كبارها فقد سلكت سبيل الذل والخذلان .
فهذه وصية من حريص لكل حديث عهد بعلم أو تدين أو سن أن يمسك لسانه عن الخوض في دين الله ، وأن يحرص على مجالسة أهل العلم والأخذ عنهم ، ولا يغترر بما عنده من نتف العلم وشذرات الفهم ، وإعجاب برأيه .
...