تصدير :

-----------

أول كتابتي لهذه المقالة كنتُ قد جعلتُ لها عنواناً هو (مقدمات في علم الخلاف) ثم لما استطردت في الكتابة انبثق في ذهني عصف غزير من المسائل في علوم فقهية شتى مهجورة أو مجهولة ، فآثرتُ تغيير العنوانِ على ما هو مثبت ؛ ليكون أشمل لمحتوى المقالة ، سائلاً الله تعالى العون على تبليغ ما يفتح الله به عليّ من العلم النافع ، إنه سميع عليم .

و أعود الآن لمتن المقالة فأقول :

كثيرة هي مواضع القصور العلمي لدى طلبة العلم في زماننا هذا ، سواءً في علوم التفسير والحديث أو العقيدة أو الفقه وأصوله ، و كذا باقي علوم الشريعة من نحو وصرف وغيرهما .

ولعل من أبرز المآخذ على المراحل المتقدمة من طلبة الفقه وأصوله بوجه خاص هو ضعف اطلاعهم على علم الخلاف ، ولا أحصر هذا القصور بهم ؛ لأن البلاء شاع في إهمال هذا العلم وعلوم فقهية أخرى حتى لكثير مِمّن قطع أشواطاً في دراسة الفقه وصار يتجرأ على التصدر للإفتاء !!!

ولا يتوهمنَّ أحدٌ أن علم الخلاف محصور فيما بات يُعرف بـ "الفقه المقارن" ، بل الفقه المقارن ثمرة - أو فرع - من ثمار أو فروع علم الخلاف ، و لنشرع الآن في بيان ماهيته بذكر تعريفه فأقول : (علم الخلاف : هو علم يُعرف به كيفية إيراد الحجج الشرعية ، ودفع الشُبه ، وقوادح الأدلة الخلافية ، بإيراد البراهين القطعية ) اهـ

[ينظر : كشف الظنون ج١/ص٧٢١ ].

ورغم سعة هذا التعريف وقربه من شموله لأكثر متعلقات هذا العلم ، إلا أن فروعه ومباحثه تزيد على ما أشار إليه حاجي خليفة –رحمه الله - في تعريفه له ، بما لا يتسع استيعابه في هذه الوجازة. لكن أزيد عليه هنا بما يلي :

1. مباحث الترجيحات .

2. مباحث طرق الاستنباط من النص .

3. مباحث طرق الاستدلال .

4. مباحث تحرير وتحقيق الخلاف .

ورغم أن مادة (التعارض والترجيح) هي أحد المواد المقررة على طلبة الدراسات العليا في كثير من جامعات أو كليات الشريعة ، لكن للأسف لم يعرض هذا العلم بالطريقة التي تبين شموله و روعته وأهميته ورفعة منزلته .

بل إن ما تم تقديمه لطلبة الدراسات العليا ما هو الا جانب واحد من جوانب الترجيح ، وصار مصطلحاً لصيقاً بمصطلح التعارض ، وهي -أي الترجيحات - في حقيقة الأمر أوسع بكثير من أن تُحصر وتُلصق مباحثُهُ بالتعارض فقط . فالترجيحات يرد استعمالها عند تجاذب الأدلة المشتبهة ، وهذا أيضاً -أعني علم تجاذب الأدلة - علم عميق واسع الطيف ، غزير الجزئيات جداً لايزال بكراً لم تطأه قدم باحث - حسب علمي .

ولا تبرق أسراره إلا لمن طال عهده بالعلم وغاص في أسرار الفهم ، و رزق ذكاءً حاداً .