بقلم: عبدالقادر شاكر

 

 

 

ضبط ما لا ينضبط  إن ترتب على عدم ضبطه مفسدة معتبرة :

 

هذا التأصيل يمكن أن يستوعب مجلداً كبيراً لاستيفاء متعلقاته، وبيان جزئياته وحل مشكلاته .

لكن سأحاول توضيح اهم معالمه هنا، فأقول :

جَرَتْ سنن التشريع على ضبط معالم الأحكام من جهة التأصيل، بأن تكون واضحة الأوصاف المؤثرة في صياغتها، من شروط وموانع ونحو ذلك، سواءً في أبواب العبادات أو أبواب المعاملات وسائر التشريعات الأخرى.
لكن قد يُتركُ ضبطُ الأحكام؛ لتشعبها أو تنوعها؛ تيسيراً على العباد، ورفعاً للحرج عنهم، ومراعاةً للتغيّر الحاصل في مصالح الناس بتجدد معايشهم وأحوالهم .
و من هنا فإنَّ ترْك ضبط الأحكام يَكثر في أبواب المعاملات، كأحكام البيوع و الأنكحة؛ لكون هذه الأبواب ملحقةً بالمصالح الدنيوية ، فسِمَة التغيّر والتجدد ملاصقةٌ لها على اختلاف أحوال الأنام ومرور الأيام، فضبط الأحكام وحصرها هنا يتعارض مع ما تقدم وصفه قريباً، وهذا يكاد يكون هو الأصل لكثرته.
لكن قد يعود هذا التوصيف إلى الأصل الأول وهو ضبط الأحكام، بحصرها بأوصاف منضبطة المعالم؛ درءاً لمفسدة معتبرة قد تترتب على تنزيل الحكم في حال عدم ضبطه .
ولعل أبرز مثالٍ و- دليلٍ - في آنٍ معاً لِما أقول هو حديث "الشاة المصرّاة " المشهور، فإنَّ هذا المنوال من التشريع - وهو المعاوضات المالية - يغلب عليه عدم ضبطه بقيود تُضيّق على الناس مصالحهم ومعايشهم، إلا ما تشتد إليه الضرورة التشريعية، فهو هنا ضُبِط بوصف واحد وهو: "صاع من تمر" ؛ لأن عدم ضبط العوض وحصره يؤدي إلى نزاعات عريضة بين البائعِين والمشترِين، نظراً للاختلاف في مقدار المنفعة المتحققة للمشتري، ومقدار ما أنفقه على تلك الشاة من علف ونحوه ، فكان هذا الأصل لازماً إعمالُه هنا بضبط العوض وحصره بأوصاف ظاهرة ؛ حسماً للنزاعات ، وهي - أي النزاعات - مفسدة معتبرة ، وهذا القيد - أعني المفسدة المعتبرة - هو قيد مهم جداً في تسويغ ضبط ما لا ينضبط ؛ فإن كانت المفسدة هيّنة محتملة ، او نادرة الحصول : لم تكن معتبرة حينئذٍ فتكون مفسدة ملغاة الاعتبار .
وهذا باب آخر من أبواب العلم أشير إليه لعل أحد طلبة الدراسات العليا يُشمّر له برسالة علمية وهو : معايير المفاسد غير المعتبرة وآثارها في الفقه الإسلامي .

...

 

Copyright © 2013 All rights reserved.

Flag Counter