بقلم: عبدالقادر شاكر.

 

المنظمومة الفقهية  : المفهوم والحد :

قد تناول الفقهاء قديماً الضوابط والقواعد الفقهية كَلَبٍناتٍ مهمةٍ في بُنية التشريع الفقهي ، ثم تطور البحث والتنظير الفقهي في عصرنا فظهر مصطلح "النظرية" مراداً به البُنية المتكاملة لمصطلح فقهي ، تنطوي تحته مجموعة مترابطة من الأحكام والشروط و الموانع ، إلا أنّ البحث والتنظير الفقهي ظل في اتساع وتطور ، فظهر مصطلح آخر مركب هو في حقيقته أوسع و أشمل من مصطلح النظرية ، و الذي من مفرداته : فقهُ المقاربات ، وفقهُ البدائلِ ، وكنتُ قد أشرتُ إليهما في محاضرات سابقة ألقيتها على طلبة الدراسات العليا ، و أرى أن المصطلح الأليق لهذا المفهوم الواسع هو أن يطلق عليه (المنظومات الفقهية) ليدل على هذا الضرب من المفاهيم الفقهية الواسعة ، و الناشئة ، فيكون تسلسل مفردات البناء الفقهي بحسب الشمول كالتالي :
 .1 الضابط الفقهي .
2. ثم يتلوه القاعدة الفقهية .
3. ثم يتلوه النظرية الفقهية .
4. ثم يتلوه المنظومة الفقهية .
فتكون الصلة بين النظرية الفقهية والمنظومة الفقهية ، كالصلة بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي ، فكما أن الضابط الفقهي: قانونٌ تشريعي يعالج باباً واحداً من أبواب الأحكام ، في حين القاعدة الفقهية قانونٌ تشريعي أيضاً لكن يدخل في معالجة أبواب شتى من الأحكام ، فكذا الحال بالنسبة للصلة بين الأخيرين - أعني النظرية والمنظومة - فالنظرية الفقهية هو دراسة شاملة لباب واحد من أبواب الأحكام أو التشريع ، أما المنظومة الفقهية فيمكن أن نضع لها تعريفاً منضبطاً يبين معالمها وهو أن نقول :


المنظومة الفقهية هي : منهج تشريعي عام ، يعالج جزئيات غير محصورة في مصادرها ، تجتمع ضمن وصف واحد مناسب لذلك المنهج التشريعي .
ولبيان التعريف أقول :
فقولنا (منهج تشريعي) : أي الطريقة التي سار عليها التشريع الإسلامي في معالجة تلك الجزئيات .
وقولنا : (يعالج جزئيات غير محصورة في مصادرها) أي : لا تنطوي ضمن باب واحد كما هو حال النظرية ، بل تشمل أحكاماً مختلفة في تبويبها أو مصادرها .
و قولنا : (تجتمع ضمن وصف واحد مناسب لذلك المنهج) أي : إن مسوغ خضوعها ضمن ذلك المنهج التشريعي هو ذلك الوصف المشترك والمعتبر الذي اعتنى به ذلك المنهج .
ولنأخذ على ذلك مثالاً : منظومة فقه البدائل :
فالمنهج التشريعي لهذه المنظومة الهامة هو منهج التيسير ورفع الحرج ، الذي قد يواجهُهُ المكلفون في شتى أعمالهم ، طاعاتٍ كانت او معاملات -لاحظ هنا التنوع العريض في الاحكام التي تتناولها المنظومة بخلاف النظرية -
فهذه جزئياتٌ غيرُ محصورة تتناولها هذه المنظومة ، أما الوصف الجامع والمعتبر بين هذه الجزئيات الذي اعتنت به المنظومة فهو : تعذر أو مشقة الامتثال للحكم الشرعي بما يتلاءم مع مقاصده، فتأتي هذه المنظومة لتضع الحلول والبدائل للمكلف للخروج من هذا الحرج الذي وقع فيه .

 

...

 

Copyright © 2013 All rights reserved.

Flag Counter