إصلاحُ غَلَط الكُتَّابِ والمحققينْ في تراجِم الأعلامِ والمـُصَنِّفينْ

بسم الله الر حمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد سيد الأولين والآخرين, وعلى آله وأصحابه أجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين...وبعد:
فإن التنبيه على أوهام المصنفين وإصلاح الغلط الواقع في آثار المؤلفين, من أمانة العلم, وهو من جملة الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَه) (آل عمران 187).
ولم يزل من عادة العلماء أن يتعقب بعضهم بعضاً بالردّ والتصحيح, يرون ذلك ديناً ونصيحة لا ينبغي كتمانها, حتى قال الأوزاعي وذُكر له ردّ العلماء على بعضهم: (بمثل هذا يتفقه الرجل).
وقد صنف العلماء كثيراً في هذا المعنى, فمن ذلك (إصلاح غلط أبي عبيد) للقُتبي, وللخطّابي (إصلاح غلط المحدثين) وكالحافظ أبي بكر الخطيب في (الموضح) فإنه تعقب الكبار كالبخاري وابن وارة ونظرائهما, ولابن ناصر الدين الدمشقي (الإعلام بما في مشتبه الذهبي من الأوهام) وغير ذلك مما يطول استقصاؤه.
وصنف الحفاظ كالأمير ابن ماكولا وأبي بكر بن نقطة وأبي سعد السمعاني والذهبي وابن حجر وغيرهم تصانيف في تمييز ما يشتبه من الأعلام, وتصحيح أنسابهم وتوضيح ألقابهم, لئلا يغلط فيهم من لا أُنسَ له بهذا الشأن, ولا دراية عنده بهذا الفن.
ومن العلماء من كان يُنبّبه على الغلط ويصلحه حال الدرس والمطالعة, فيُعلِّق في نسخته بقلمه ويُنبّه على وجه الصواب, لئلا يغتّرّ به من يطالعه ممن بعده فيقع له الغلط, وقد ذكر القاضي عياض في (الإلماع) (186) أن أهل المعرفة من أهل العلم كانوا ينبهون على الخطأ عند السماع والقراءة, وفي حواشي الكتب, ويقرءون ما في الأصول على ما بلغهم..قال: (ومنهم من يجسر على الإصلاح, وكان أجرأهم على هذا من المتأخرين القاضي أبو الوليد هشام بن أحمد الكناني الوَقَّشّيُّ, فإنه لكثرة مطالعته, وتفننه في الأدب واللغة وأخبار الناس وأسماء الرجال وأنسابهم, وثقوب فهمه وحدّة ذهنه, جسر على الإصلاح كثيراً, وربما نبّه على وجه الصواب, لكنه ربما وهم وغلط في أشياء من ذلك, وتحكّم فيها بما ظهر له أو بما رآه في حديث آخر, وربما كان الذي أصلحه صواباً, وربما غلط فيه وأصلح الصواب بالخطأ).أ.هـ
وقد رأيتُ حال المطالعة أوهاماً وأغلاطاً تقع لمحققي كتب التراث والمخطوطات والمؤلفين سواء, يقلّد بعضهم بعضاً في الخطأ, فعلّقتُ من ذلك شيئاً كثيراً, واجتمع عندي منه ما رأيتُ أنه يحسن التنبيه على بعضه في جزء مفرد.
ولاسيما مع كثرة من ولج هذا الباب, وجسر على الاشتغال بتحقيق وضبط الكتب, ممن ليس بأهل لذلك, واتخذوا من تحقيق كتب التراث والمخطوط ولاسيما الحديث, حرفة يقصدون بها جمع المال, مصداق قول ابن الجوزي (علم الحديث صنعة الكسالى والمفاليس), وما أكثرهم بمصر حتى إنه ليصدق عليهم مقالة أبي عبيدة معمر بن المثنى (يا أهل مصر إن البغاث بأرضكم يستنسر), وشاهدنا من ذلك المضحك المبكي كما قال أبو الطيب المتنبي:
وماذا بمصرَ من المُضحكات.....ولكنه ضحكٌ كالبُكا
وأكثرهم حتى من كان منهم متقناً إنما يؤتى ويقع له الوهم الفاحش من جهة الحرص على الفانية وجمع حطامها, فإنه يروم إخراج أكبر قدر يُمكنه من الكتب للطبع لأجل المال, فيضطرُّه الجشع إلى الاستعانة بمن انتدب لهذا العمل من المفاليس, حتى فسدت الكتب وامتلأت بالجهالات, وقد رأيتُ بالقاهرة عامياً كان يعمل في دكانٍ لبيع الدجاج, فلما وقع المرض المشهور بـ(إنفلوانزا الطيور) أفلس, ثم رأيته بعدُ يعمل في تحقيق الكتب مع بعض من انتسب إلى التحقيق من المشاهير!
ورأيتُ بعض هؤلاء في مكتبة عامة بالقاهرة قد أجهد نفسه وأتعبها في تخريج حديث ولم يقف له على أثر, حتى اعتراه ملل وكلل أفضى به إلى سؤالي, قال لي: جهدتُ في استخراج حديث (إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى شاه شاه) قال: قرأتُ باب الزكاة في غالب المسانيد والسنن فلم أقف عليه!.
وغالب هذا الصنف لايدري الواحد منهم فنَّ التحقيق, ولا أخذوا صنوف العلم على الشيوخ, وهجموا على هذه الصناعة قبل استحكام أدواتها, واستجماع شروطها وآلاتها, فلا تعجب من أوهامهم وقبيح أغلاطهم, مصداق قول ابن مسعود رضي الله عنه (تفقهوا فإن أحدكم لا يدري متى يُختلُّ إليه) أي: يحتاج إليه, ومنه قول بعض السلف (تفقهوا قبل أن تسوّدوا).
فهذا محقق (المسند) في طبعة دار الحديث بالقاهرة, زعم أنه يتمم ما كان ابتدأه محدث مصر العلامة أحمد شاكر, وليته لم يفعل, فقد أفسد الكتاب وملأه بالأغلاط التي لو استقصاها الباحث لجاءت في مجلد, وقد رأيته في كل حديث يحدّث به أحمد عن ابن إدريس يترجمه بالشافعي, حتى كثر عنده أحاديث أحمد عن الشافعي, مع أن المعروف عند أصحاب الحديث أن أحمد لم يروِ عن الشافعي في المسند إلا نحواً من بضعة عشر حديثاً, ذكر الحافظ ابن كثير أنه أفردها في جزء, ومن عادة أحمد أنه يصرّح باسم الشافعي إذا روى عنه.
ومنه أن القرافي ساق في أول (نفائس الأصول) مصادرَ كتابه, فذكر منها (الواضح) وهو إما لابن عقيل الحنبلي, أو لأبي يوسف القزويني المعتزلي, والأول أرجح لأنه ذكره بعد (العُدة) لأبي يعلى كأنه يذكر موارده ومواد كتابه في أصول الحنابلة, وقد تصحف ابنُ عقيل على من حقق الكتاب إلى أبي عبيد, فترجموه بأبي عبيد القاسم بن سلّام, وهو غلط لا يمكن معه إلا أن نشك أن يكون عادل عبد الموجود وعلي معوض قد طالعا الكتاب أصلاً! فضلاً عن أن يكونا قد اشتغلا بتحقيقه ونسخه ومقابلة أصوله! هذا عدا كونهما من الدخلاء على هذه الصناعة, فإن أبا عبيد لم يُصنِّف في أصول الفقه, ولا يوجد عنه نقل في مسائل الأصول المحضة, ولا نقل عنه القرافي من كتاب الواضح هذا موضعاً واحداً, وإنما يقع ذكر أبي عبيد في كتب الأصوليين في زوائد المباحث التي تتعلق بالكتاب العزيز, على أنهما صحفا (العُدة) لأبي يعلى فكتباه (العمدة)!.
وهذا الهمط والخرط في مصر التي كانت دار المحققين وأهل الخبرة والمعرفة التامة بصناعة التحقيق, كآل شاكر وهارون وعبد الباقي ونظرائهم, فلله الأمر.
أفلا يشمل هؤلاء المفاليس والصعافقة عموم الوعيد في قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (البقرة 79) وهذا اللحن الفاحش والغلط القبيح هو دون ريب من الكذب على الشارع, وأقبحه ما كان كذباً على الله ورسوله ثم على أهل العلم.
لكن الامر كما قال المتنبي:
ومن البلية عذلُ من لا يرعوي...عن غيّه وخطابُ من لا يفهمُ
والواجب على المسئولين في هيئة الرقابة على الطبع والنشر, ومن يتعيّن عليه القيام على أمور العلم وكتبه كالأزهر ونحوه, التصدي لهؤلاء العابثين, ومنعهم من الاشتغال بهذه الصناعة الشريفة, صيانة للعلم وأهله.
وهذا التقييد إنما يعنى بتعقب ماوقع لبعض الفضلاء من المحققين والمؤلفين من الوهم والغلط في ضبط الأسماء وتراجم الرجال ونحو ذلك, من غير تقصٍ أو استيعاب, وإنما أذكر ما يعنُّ لي مما قيّدته في حواشي كتبي حال المطالعة, وهو شئ كثير يطول شرحه, ولست أذكر منه هنا إلا ما تدعو الحاجة إليه, وربما نبّهتُ على من وقع له الغلط في ذلك وربما أغفلتُ ذكره, والأمر لايزال بحاجة إلى تصنيف مبسوط.
وليس من شأن العقلاء الإعراض عن تصويب الخطأ والإشاحة عن استدراكه, ولا يعدُّ عندهم انتقاصاً أن يؤخذ الواحد منهم بوهم أو يُتعقب عليه في غلط, فمن الذي يسلم من ذلك, وقد قيل:
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها...كفى المرء نبلاً أن تُعدَّ معايبه
وقال الإمام الحافظ الحجة أبو محمد بن حزم في (رسائله) (4/337): (قد يخطئ الفاضل ما لم يكن معصوماً, ولو أن ذلك الفاضل لاح له ما لاح لك لرجع إليك, ولو لم يفعل لكان غير فاضل, وأخبرك بحكاية لولا رجاؤنا في أن يسهل بها الإنصاف على من لعله ينافره ما ذكرناها، وهي: أني ناظرت رجلاً من أصحابنا في مسألة فعلوته فيها لبكوء (أي: عيب) كان في لسانه، وانفصل المجلس على أني ظاهر، فلما أتيت منزلي حاك في نفسي منها شيء، فتطلبتها في بعض الكتب, فوجدت برهاناً صحيحاً يبيّن بطلان قولي, وصحة قول خصمي، وكان معي أحد أصحابنا ممن شهد ذلك المجلس فعرّفته بذلك، ثم رآني قد علّمت على المكان من الكتاب، فقال لي ما تريد؟ فقلت: أريد حمل هذا الكتاب وعرضه على فلان, وإعلامه بأنه المحق وأني كنت المبطل, وأني راجع إلى قوله, فهجم عليه من ذلك أمر مبهت وقال لي: وتسمح نفسك بهذا! فقلت له: نعم، ولو أمكنني ذلك في وقتي هذا لما أخرّته إلى غد, واعلم أن مثل هذا الفعل يكسبك أجمل الذكر مع تحليك بالإنصاف الذي لا شيء يعدله, ولا يكن غرضك أن توهم نفسك أنك غالب، أو توهم من حضرك ممن يغترّ بك ويثق بحكمك أنك غالب، وأنت بالحقيقة مغلوب، فتكون خسيساً وضيعاً جداً, وسخيفاً البتة وساقط الهمة, وبمنزلة من يوهم نفسه أنه ملك مطاع وهو شقي منحوس، أو في نصاب من يقال له إنك أبيض مليح وهو أسود مشوّه، فيحصل مسخرة ومهزأة عند أهل العقول الذين قضاؤهم هو الحق, واعلم أن من رضي بهذا فهو مغرور, وسبيله سبيل صاحب الأمانيّ, فإنها بضائع النوكى؛ والمغرى بها يلتذ بها, حتى إذا ثاب إليه عقله ونظر في حاله, علم أنه في أضاليل, وأنه ليس في يده شيء).أ.ه
على أن الفاضل مهما عظم في العلم شأنه, واحتدّ فيه ذهنه, واتّسع فيه اطّلاعه, واستطال فيه باعه, لايسلم فيه من الغلط, ويقع له فيه الوهم في الشئ بعد الشئ, مما لا يعاب به عند العقلاء والكملة, ويخفى عليه من العلم ما لو تأمله لاستيقن أنه فوق ما علمه.
وقد ذكر التاج ابن السبكي في ترجمة الغزالي الكبير من (الطبقات) (4/87) أن هذا الرجل قد وقع الخبط في أمره, وجهل أَكثر الخلق حاله, قال: وأول بحثي عن ترجمته لما كنت أَقرأ (طبقات الشيخ أبي إِسحاق) على شيخنا الذهبي, مررت بقوله: (وبخراسان وفيما وراء النَّهر من أَصحابنا خلق كثير, كالأودني وأبي عبد الله الحليمي وأبي يعقوب الأبيوردي وأبي عليّ السنجي وأبي بكر الفارسِي وأبي بكر الطوسي وأبي منصور البغدادِي وأبي عبد الرحمن السُّلمي وناصر المروزي وأبي سليم الشَّاشي والغزالي وأبي محمد الجويني وغيرهم ممّن لم يحضرني تاريخ موتهم).قال: وقد سأَلت شيخنا الذَّهبِيّ حالة القراءَة عليه: من هذا الغزالي؟! فقال: (هذا زيادة من النَّاسخ, فإنَّا لا نعرف غزالياً غير حجة الإِسلام وأخيه, ويبعد كل البعد أَن يكون ثمَّ آخر, لأَن هذه نسبة غريبة يقلّ الِاشترَاك فِيها, قال: ويبعد أَن يريد حجة الإِسلام إِذ هو مثل تلامذته, وأَيضاً فإِنه لم يذكر من أقرانه أحداً كإمام الحرمين وابن الصباغ وغيرهما, فكيف يذكر من هو دونهم؟! وأَيضاً فإنه ذكره قبل الشيخ أبي محمد, والشيخ أَبو محمد شيخ شيخ الغزالي, فإِنه شيخ ولده إِمام الحرمين شيخ الغزالي, فكل هذا مما يمهد أَنه لم يرد الغزالي). فقلت له إِذ ذاك: وثمّ دليل آخر قاطع على أَنه لم يرد أَبا حامد حجة الإِسلام, فقال: ما هو؟ فقلت: قوله لم يحضرني تاريخ موتهم, فإِن هذا دلِيل منه على أَنهم كانوا قد ماتوا, ولكن ما عرف تاريخ موتهم, وحجة الإِسلام كان موجوداً بعد موت الشيخ, قال صحيح. ثمَّ ذكرت ذلك لوالدي الشيخ الإِمام تغمده الله برحمته فذكر نحواً مما ذكره الذهبي, وتمادى الأَمر وأَنا لا أَقف على نسخة من (الطبقات) وأكشف عن هذه الكلمة إِلَّا وأجدها فأزداد تعجباً وفكرة, ثمَّ وقعتْ لي نسخة عليها خطّ الشيخ أبي إِسحاق وقد كتب عليها بأَنَّها قُرئت عليه, فألفيتُ هذه اللفظة فيها, ثمَّ وقفتُ فِي تعليقة الإِمام محمد بن يحيى صاحب الغزالي, في الزكاة في مسأَلة التّلف بعد التمكُّن, أَنه ألزم شافعي فقيل له: أَليس لو تلف النصاب قبل التمكُّن من الأَداء سقطت الزكاة؟ فكذلك بعد التمَكُّن, بخلاف ما لو أتلف فإِنَّها لا تسقط, فقال: مسأَلة الإِتلاف ممنوعة لا زكاة عليه ولا ضمان, وأُسندَ هذا المنع إلى الغزالي القدِيم والشيخ أبي عليّ, تفريعاً على أَن الزكاة إِنما تجب بالتمكن, ثمَّ وقفتُ في (كتاب الأَنساب) لابن السمعاني في ترجمَة الزَّاهد أبي عليّ الفارمذي على أَن أَبا علي المذكور تفقه على أبي حامد الغزالي الكبير, فلما وقفتُ على هذين الأَمرين سُرَّ قلبي وانشرح صدري, وأيقنتُ أَن في أَصحابنا غزالياً آخر, فطفقتُ أبحث عنه في التواريخ فلا أَجده مذكوراً, إِلى أن وقفتُ على ما انتقاه ابن الصلاح من كتاب المَذهب في ذكر شيوخ المذهب للمطوّعي, فرأيته أَعني المطوعيَّ قد ذكر أَبا طاهر الزيادي وعظّمه, ثمَّ قال: وتخرج بدرسه من لا يُحصى كثرة كأبي يعقوب الأبيوردي صاحب التصانيف السائرة والكتب الفائقة الساحرة وذكره, ثمَّ قال وكأبي حامد أحمد بن محمد الغزالي الذي أذعن له فقهاء الفريقين وأقرَّ بفضله فضلاء المشرقين والمغربين, إذا حاور العلماء كان المُقدم, وإن ناظر الخصوم كان الفحل المقرّم, وله في الخلافيات والجدل ورءوس المسائل والمذهب تصانيف, فازددتُ فرحاً وسروراً وحمدتُ الله حمداً كثيراً, وقد وافق هذا الشيخ حجة الإِسلام في النسبة الغريبة والكنية واسم الأَب, ثمَّ بلغني أَنه عمُّه, فقيل لي: أخو أَبيه وقيل: عمّ أَبيه أَخو جده, ثمَّ حكى لي سيدنا الشيخ الإِمام العلامة ولي الله جمال الدين عُمدة المحققين محمد بن محمد بن محمد الجمالي حيَّاه الله وبياه وأمتع ببقياه, أن قبر هذا الغزالي القديم معروف مشهور بمقبرة طوس, وأَنَّهم يسمونه الغزالي الماضي).أ.ه
ومن ذلك أن الحافظ السمعاني ذكر في ترجمة الجريري من (الأنساب) (3/264) أنه نسبة إلى اتّباع مذهب ابن جرير الطبري, وذكر أن منهم أبا إسحق الجوزجاني قال: وكان جريري المذهب ولم يكن بداعية, فتعقبه الحافظ ابن حجر بأنه غلط صوابه حريزي بالحاء المهملة بعدها راء ثم ياء ثم زاي, نسبة إلى حريز بن عثمان وكان ناصبياً, وكذلك كان الجوزجاني, وكيف يكون الجوزجاني على مذهب ابن جرير وهو في عداد شيوخه!؟ ذكره السخاوي في (الجواهر) (1/379).
ونظيره أن جماعة من الشافعية منهم ابن الرفعة توهموا أن داود بن علي الظاهري شيخ للشافعي, لأنهم وقفوا على نصوص له يحكي فيها مذهب داود كقوله (أفرط في العقيقة رجلان أحدهما قال بوجوبها وهو داود, والاخر قال ببدعتها وهو أبو حنيفة) وليس كذلك فإن داود بن علي الظاهري ولد قبل وفاة الشافعي بسنتين, وإنما هو داود بن عبد الرحمن العطار شيخ الشافعي بمكة كما نبّه عليه الزركشي في (البحر المحيط) (6/426-427) وابن السبكي في (الطبقات) (2/291), وقد بسطنا الكلام على ذلك في ترجمة داود من (طبقات الظاهرية).
ومنه أن الجلال السيوطي ذكر في (المزهر) (1/73) حكاية بيع الفالي بالفاء الموحدة, نسخةً مجوّدة من (كتاب الجمهرة) لابن دريد, لكنه غلط وتصحف عليه الفالي بالقالي بالقاف المثناة, وزاد هو من عنده أبا علي كنية القالي, وتبعه على ذلك جماعة من الفضلاء منهم الدكتور محمد الزرّوق في تقدمته لمقالة الأستاذ الشيخ عبد اللطيف الشويرف الموسوم بـ(مكتبتي).
وإنما هو أبو الحسن علي بن أحمد بن سلّك الفالي كما حكاه ياقوت في (الأدباء) (4/1646) عن أبي زكرياء التبريزي قال: رأيت نسخة من (كتاب الجمهرة) لابن دريد باعها أبو الحسن الفالي بخمسة دنانير من القاضي أبي بكر ابن بديل التبريزي وحملها إلى تبريز، فنسختُ أنا منها نسخة، فوجدتُ في بعض المجلدات رقعة بخط الفالي فيها:
أنسِتُ بها عشرين حولاً وبعتها...فقد طال شوقي بعدها وحنيني
وما كان ظنّي أنني سأبيعها......ولو خلّدتني في السجون ديوني
ولكن لضَعْفٍ وافتقارٍ وصبيةٍ......صغارٍ عليهم تستهلُّ شؤوني
فقلت ولم أملكْ سوابقَ عَبرة........مقالةَ مشويِّ الفؤاد حزين
(وقد تـُخرجُ الحاجاتُ يا أمّ مالك....كرائمَ من ربٍّ بهنَّ ضنينِ)
فأريتُ القاضيَ أبا بكر الرقعةَ والأبياتَ فتوجع وقال: لو رأيتُها قبل هذا لرددتُها عليه، وكان الفالي قد مات.
قال ياقوت: والبيت الأخير من هذه الأبيات تضمين, قاله أعرابيّ في ما ذكره الزبير بن بكار عن يوسف بن عياش قال: ابتاع حمزة بن عبد الله بن الزبير جملاً من أعرابي بخمسين ديناراً ثم نَقَدَه ثمنَه، فجعل الأعرابيُّ ينظر إلى الجمل ويقول:
وقد تـُخرجُ الحاجاتُ يا أمّ مالك....كرائمَ من ربٍّ بهنَّ ضنينِ
فقال له حمزة: خذ جملك والدنانير لك، فانصرف بجمله وبالدنانير.
وقد نبَّه ياقوت على أنه الفالي بالفاء لئلا يشتبه بالقالي, وذكر أن له شعراً حسناً يضّمنُ فيه الأبيات السائرة, منه الأبيات الذائعة:
تصدر للتدريس كلُّ مهوّس....بليدٍ تسّمى بالفقيه المدرِّسِ
فحُقَّ لأهل العلم أنْ يتمثلوا....ببيتٍ قديم شاعَ في كلّ مجلسِ
(لقد هزلتْ حتى بدا من هزالها...كلاها وحتى سامها كلُّ مفلسِ)
ومنه قوله:
لمـّا تبدلت المنازلُ أوجهاً...غير الذين عهدتُ من علمائها
ورأيتُها محفوفةً بسوى الأُلى.....كانوا ولاةَ صدورها وفنائها
أنشدتُ بيتاً سائراً متقدماً...والعينُ قد شَرَقَتْ بجاري مائها
(أما الخيامُ فإنها كخيامهم...وأرى نساءَ الحيّ غير نسائها)
فتأمل كيف أن هذا وشبهه من الأغاليط والأوهام يقع للكبار ولا يكاد يسلم منه أحد, وهو شئ كثير يطول شرحه وتتبعه ويعسر تقصيه, وقد قال البويطي فيما رواه أبو عبد الله بن شاكر في (مناقب الشافعي): سمعتُ الشافعيَّ يقول: لقد ألفتُ هذه الكتب ولم آلُ فيها, ولابدّ أن يوجد فيها الخطأُ, لأن الله تعالى يقول (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) (النساء 82) ذكره السخاوي في (المقاصد) (15).
وقال المزني: (لو عورض كتاب سبعين مرة لوجد فيه خطأ, أبى الله أن يكون كتاب صحيحاً غير كتابه).
وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: (عارضت بكتاب لأبي ثلاث عشرة مرة, فلما كان في الرابعة خرج فيه خطأ, فوضعه من يده وقال: قد أنكرتُ أن يصح غير كتاب الله عزوجل) خرّجهما الخطيب في (الموضح) (1/14).
وقد ذكر الزبيدي في (مقدمة شرح الإحياء) (1/3) وأبو الطيب القنوجي في (الحطة) (32) أن القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني كتب إلى العماد الكاتب الأصبهاني يقول: (إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلا قال في غده: لو غُيّر هذا لكان أحسن, ولو زيد كذا لكان يستحسن, ولو قُدّم هذا لكان أفضل, ولو تُرك هذا لكان أجمل, وهذا من أعظم العبر, وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر).
وأنشد السخاوي في (المقاصد) لبعضهم:
كمْ من كتابٍ تصفّحتُه.....وقلتُ في نفسيَ أصلحتُهْ
حتى إذا طالعتُه ثانياً......وجدتُ تصحيفاً فصححتُهْ
واعلم أن أهل كل فنٍّ اصطلحوا في مصنفاتهم على إطلاق ألقاب اشتهر بها بعض أعلام الفن, ولزمتهم فغلبت عليهم، بحيث إذا أُطلقت عندهم انصرفت إلى معهود لايُختلف عليه بينهم، مما يستدعي التنبيه على ذلك لئلا يتوهم فيهم من لايدري اصطلاحهم.
فإذا أُطلق لقب (الشيخ) فالمراد به عند الأصوليين والمتكلمين إمام النظار أبو الحسن الأشعري (324) نور الله مرقده, وقد رأيتُ بعض الدارسين من طلبة الدكتوراه غلط في ترجمته وأبعد النُّجعة, فترجمه بأبي الحسن العبّادي الشافعي, منهم الدكتور أيمن حمزة في رسالته عن القواعد الأصوليية عند شيخ الإسلام ابن تيمية.
والشيخ عند الشافعية أبو حامد الإسفراييني (406), وهم يقيدونه بالشيخ أبي حامد, وقد رأيت بعضهم اشتبه عليه فترجمه بالغزالي, وعند المناطقة الرئيس أبو علي بن سينا (428), ويطلق عند المالكية على أبي محمد بن أبي زيد (386) صاحب (الرسالة), وعند الحنابلة لقب أبي محمد بن قدامة مصنف المغني, ويطلقه متأخروهم كالمرداوي والسفّاريني على ابن تيمية الحفيد شيخ الإسلام, وقد نبَّه الأول في آخر (مختصره الأصولي) على ذلك.
والشيخان عند الشافعية أبو القاسم الرافعي (623) وأبو زكريا النووي, وعند المالكية ابن أبي زيد وأبو الحسن القابسي (403), وعند الحنابلة الموفق ابن قدامة والمجد ابن تيمية (652), وأما الحنفية فيطلقونه على الإمام ومحمد إذا اجتمعا على قول.
وقد رأيتُ محقق (مغني المحتاج) للخطيب الشربيني في طبعة دار المعرفة ببيروت, تعقب الخطيبَ في نقله عن الشيخين بأنه لم يقف على هذا النقل في (الصحيحين)! وإنما أراد الرافعيَّ والنوويَّ, لكنه تعثّر فيه ضالاً عن وجه الصواب لعدم درايته.
وإذا أُطلق (القاضي) عند الأصوليين والمتكلمين من الأشعرية, وحواشي تفاسير المتأخرين كالبيضاوي والكشاف, فهو لسان الأمة وسيف السنة أبو بكر بن الباقلاني (403) طيّب الله ثراه, لكنْ إذا أطلقه الفخر الرازي في (تفسيره) فهو قاضي المعتزلة عبد الجبار الهمذاني, كما قيّده ابن التمجيد في (حاشيته) وقد اشتبه على بعض المصنفين في التفسير, فترجمه بالقاضي الباقلاني وليس كذلك.
ولقب (القاضي) عند الحنابلة في الفقه والأصول والنظر يطلق على أبي يعلى, وعند متأخريهم هو أبو الحسن المرداوي (885) مُنقّح المذهب، وهو ومن قبله من الحنابلة يطلقونه في أصولهم على القاضي أبي يعلى لا الباقلاني, وقد اشتبه هذا الإطلاق على بعض الكبار منهم الأستاذ الدكتور مصطفى زيد رحمه الله في كتابه الكبير الذي صنفه في النسخ, فإنه نقل في تعريف النسخ بواسطة المرداوي في مختصره الأصولي المسمى بـ(تحرير المنقول) عن القاضي وعرّفه بالباقلاني, وإنما هو أبو يعلى كما قيّده المرداوي في (التحبير), وهو شرحه على مختصره الأصلي.
والقاضي عند العراقيين وابن الرفعة في (الكفاية) و (المطلب) من الشافعية, أبو الطيب الطبري، وعند الخراسانيين والمراوزة منهم, لقب حسين المروروذي (462) مصنف (التعليقة)، ويطلقه المتوسطون من فقهاء المذهب على القاضي أبي حامد المروروذي (362),كما أفاده النووي في (التهذيب) وابن السبكي في (طبقاته).
وعند المعتزلة في مؤلفاتهم هو عبد الجبار، ويطلقه النووي في (شرح مسلم) على القاضي عياض (544), ويطلقه الإمامية على ابن البرّاج وهو عبد العزيز بن نحرير مصنف (الجواهر) من إمامية الشام وكان قد ولي قضاء طرابلس وتوفي 481.
والقاضيان عند الأصوليين: أبو بكر بن الطيب الباقلاني قاضي السنة, وعبد الجبار الهمذاني قاضي المعتزلة (415) وعند المالكية أبو الحسن بن القصار (397) وصاحبه القاضي عبد الوهاب البغدادي, ويطلقه أصحاب الشافعي على الروياني (501) والماوردي (450).
وإذا أطلق (الأستاذ) فهو سيف المناظرين أبو إسحاق الإسفراييني (418) رحمه الله, لكنَّه عند المالكية لقب أبي بكر الطرطوشي (520)، وعند الحنفية هو أبو محمد الحارثي السَّبْذَموني (340) كما ذكر اللكنوي في ذيل (طبقات الحنفية).
وإذا أطلق (الإمام) عند الأصوليين والمتكلمين فهو كبير الحكماء والأذكياء أبو عبد الله الفخر الرازي (606) رحمه الله, والإمام عند الفقهاء من المالكية أبو عبد الله المازري، وعند فقهاء الشافعية إمام الحرمين الجويني، وعند الحنفية إمام الحرمين لقب أبي المظفر يوسف الجرجاني القاضي كما أفاده الشيخ أحمد الحموي في (شرح الأشباه والنظائر) لابن نجيم.
والفخر عند الحنفية هو البزدوي (482), وعند بعض المتأخرين الرازي, وعند الحنابلة هو إسماعيل البغدادي (610), ولذا نبّه عليه المرداوي في مقدمة (مختصره الأصولي) وخاتمته لئلا يشتبه بالأولين, وقد وقع هذا الإشتباه للإمام العلامة المحقق شمس الدين بن مفلح, فإنه ذكر في (أصوله) عند الكلام على مسألة تعارض الخبر والقياس قولاً وعزاه لصاحب المحصول, فتعقبه محققُه الدكتور فهد السدحان بأنه لا يُعرف عن الفخر الرازي, وإنما هو قول الفخر البزدوي, ولعل ابن مفلح وجد هذا القول معزواً في بعض كتب الأصول للفخر من غير تقييد فتوهم أنه الرازي.
.وأما لقب شيخ الإسلام: فقد ذكر السخاوي في كتابه الذي أفرده في ترجمة الحافظ ابن حجر, أنه يطلق على ما اُستُقرئ من صنيع المتأخرين على المتّبع لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم مع المعرفة بقواعد العلم, والتبحر في الاطلاع على أقوال العلماء, والتمكن من تخريج الحوادث على النصوص, ومعرفة المنقول والمعقول على الوضع المرضي.
وذكر الدكتور علي جمعة في (المدخل الفقهي) له أن لقب شيخ الإسلام يطلق على من تصدر للإفتاء وحل المشكلات كشيخ الإسلام ابن تيمية وصاحب المغني, ونقل عن اللكنوي أنه صار يطلق على من تولى منصب الفتوى وإن عري عن العلم والتقوى.
ونقل الدكتور سعد فهمي في مقدمة كتابه الذي جمع فيه أسماء من أُطلق عليه هذا اللقب من أهل العلم وتراجمهم, أنه كان يطلق على كل من تولى قضاء القضاة,كشيخ الإسلام زكريا الأنصاري والغزي وغيرهما.
وأفاد السخاوي أن الحافظ أبا الحجاج المزي كان لايثبت هذا اللقب لأحد من أهل عصره إلا لابن تيمية وابن أبي عمر (682) والتقي السبكي.
ولو أثبته لابن دقيق العيد بدل الثاني كان أجدر لكنه آثر به بلديه, فقد قال الصفدي في (أعيان العصر) (1/252-253): (وعلى الجملة فقد كان الشيخ تقي الدين بن تيمية أحد الثلاثة الذين عاصرتهم ولم يكن في الزمان مثلهم, بل ولا قبلهم من مائة سنة, وهم الشيخ تقي الدين بن تيمية والشيخ تقي الدين بن دقيق العيد وشيخنا العلامة تقي الدين السبكي, وقلت في ذلك:
ثلاثة ليس لهم رابع.....فلا تكن من ذاك في شكِّ
وكلهم منتسب للتقى.....يقصر عنهم وصف من يحكي
فإن تشأ قلتَ ابن تيمية.....وابن دقيق العيد والسبكي.
ويطلقه السيوطي والسخاوي على الحافظ ابن حجر العسقلاني، ويطلقه الأخير على شيخه الحافظ الإمام المجتهد سراج الدين عمر بن رسلان البُلقيني (805)، بل ذكر السخاوي أن هذا اللقب في عصر البلقيني كان مقصوراً عليه.
ويستعمله المصنفون في أصول الاعتقاد والسلوك على طريقة أهل الحديث لأبي إسماعيل الهروي (481)، وهو اصطلاح ابن القيم في كتاب (مدارج السالكين), وذكر السخاوي جماعة من أعيان فقهاء المذاهب الأربعة كان يطلق عليهم لقب شيخ الإسلام.
ومن أغاليط المحققين والمصنفين أن كثيراً منهم يشتبه عليه (ابن علية والأصم) فيقع لهم الغلط في ترجمتهما, وقد رأيتُ هذا الوهم فيهما قد وقع لجماعة منهم الأستاذ شعبان محمد إسماعيل في تحقيقه لبعض كتب الأصول, منها (كتاب الشوكاني) و (منهاج البيضاوي) وشرحه للأسنوي, فإنه ترجم لابن علية بالأب وهو الحافظ الكبير إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري, وإنما هو ابنه إبراهيم وهو من المعتزلة, ويقع ذكره كثيراً في كتب الأصول والفقه والنظر, وأما أبوه فلا يُذكر إلا في تصانيف الحديث, وتارة يذكر في مباحث السنة من كتب الأصول, وقد وهم فيه أيضاً الدكتور فهد السدحان في تحقيق (أصول ابن مفلح) والدكتور طه العلواني في (محصول الإمام) ووقع لغيرهما أيضاً من محققي كتب الأصول خبط فيه وخلط بينه وبين أبيه, كاللذين حققا (مختصر المرداوي) والدكتور بسام الجزائري في (التحقيق والبيان) لأبي الحسن الأبياري وغيرهم.
وقد ذكر الحافظ في (الفتح) أن بعض المتقدمين غلط فيهما, ورأيتُ ابنَ النجار الفتوحي في (شرح الكوكب) في مسألة الاعتبار بالشبه في القياس هل هو حقيقي أم حكمي؟ جزم باسمه على الوهم هكذا: أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم بن علية, ولم ينبّه عليه محققا الكتاب لظنهما أنه ذكره على الصواب, فإن ابن النجار تقدم له ذِكْرُ ابنِ عليةَ الاب في فصل الجرح والتعديل من (كتابه) فترجمه المحققان على الصواب وميّزاه عن ابنه, وذَكَرَ الابنَ في باب القياس تبعاً للمرداوي, لكنه توهم أنه الاب, فساق كنيته واسمه كاملاً على ما توهمه, فتبعه على وهمه المحققان, ولم يترجمانه لأنه تقدّم لهما ترجمته.
ووقع هذا أيضاً للدكتور ياسين درادكة في تحقيق (المستظهري) وهو (حلية العلماء) للقفال الشاشي, وزاد فوهم في ترجمة الأصم حيث ظنّه أبا العباس محمد بن يعقوب النيسابوري الحافظ, وتبعه على ذلك الأساتذة المحققون لكتابي (المغني والشرح الكبير) طبعة دار الحديث بالقاهرة, وإنما هو أبو بكر عبد الرحمن بن كيسان البصري المعتزلي شيخ ابن علية الابن, وهو قرينه في الذكر فإنهما غالباً يقترنان بالذكر, ولا يذكران إلا في كتب الفقه والأصول والنظر, بخلاف ابن علية الأب وأبي العباس الأصم فإن ذكرهما إنما يقع في كتب الحديث والأثر.
ورأيتُ للدكتور يوسف القرضاوي وهماً قبيحاً في تصنيفه الموسوم (كيف نفهم السنة) فإنه تعقب من حكى الإجماع على أن دية المرأة نصف دية الرجل, فزعم أن هذا الإجماع غلط, بدعوى أن ابن علية والأصم خالفا في المسألة, وذهبا إلى أن ديتها كديته سواء, ولعدم أنسه ودرايته بهذا الشأن وصفهما بأنهما من علماء السلف! لأنه ظنَّهما أبا العباس الأصم وابنَ علية الاب, وليس الأمر على ما توهمه بيقين, كما شرحناه, فضلاً عن أن إبراهيم ابن علية وعبد الرحمن بن كيسان الأصم لايُعتبران في الوفاق والخلاف عند جماعة أهل العلم كما نبَّه عليه أبو عمر بن عبد البر وغيره, وقد بسطنا القول في ذلك في كتاب (الردّ على الأصم وابن علية فيما انفردا به من المسائل الفقهية).
ومما يقع فيه الوهم والغلط ويشتبه على من لادراية له بكتب الطباق: (النهرواني).
وقد غلط فيه كثيرون ممن انتدب لتحقيق كتب الأصول كالدكتور شعبان, والأستاذ المحقق الكبير عبد العظيم الديب في (البرهان) والأستاذ الدكتور محمد حسن هيتو في (المنخول) للغزالي, والدكتور عبد الحميد أبو زنيد في (التحصيل) للسراج الأرموي, والدكتور طه العلواني في (المحصول) للإمام, والدكتور عبد الكريم النملة في (شرح المنهاج) للأصفهاني وغيرهم.
فإنهم يترجمونه بأبي الفرج المعافى بن زكريا النهرواني المعروف بابن طراري مصنف كتاب (الجليس والأنيس) ويقال له الجريري نسبة إلى ابن جرير الطبري الإمام, فإنه كان على مذهبه في الأصول والفروع, وهو غلط محض, فإن الذي في كتب الأصول هو أبو سعيد الحسن بن عبيد الظاهري مذهباً, وأما ابن طراري فقد غلب عليه الأدب ونوادر الأخبار ولا يكاد يعرف بالفقه والأصول ولا ذكر له في كتبهم, ولايوجد عنه نقل فيهما أصلاً, وإنما وقع هذا الخلط بسبب التصحيف في الاسم, فإن الصواب في نسبة أبي سعيد الحسن بن عبيد: (النهرباني) وليس (النهرواني) وقد شرحنا حاله على الوجه في ترجمته من كتابنا (طبقات الظاهرية) وبالله الثقة.
ومن الأوهام التي تشتبه في الأعلام: (ابن الأنباري) بالنون, و(ابن الأبياري) بالباء, وقد رأينا بعض الأساتذة وهمَ فيهما ولم يميّز, منهم الدكتور أحمد يوسف سليمان رئيس قسم الشريعة بدار العلوم, فإنه نقل بالواسطة عن (شرح برهان إمام الحرمين) فتصحّف عليه في الأصل (ابنُ الأبياري) إلى (ابن الأنباري) فترجمه بأبي بكر محمد بن القاسم بن بشار المعروف بابن الأنباري الإمام الحافظ اللغوي المتوفى سنة 328, وهو غلط قبيح لأنه توفي قبل أن يولد مُصنّف الأصل أعني (البرهان) فكيف يشرحه؟! وأيضاً فالرجل لغوي نحوي لاشأن له بالفقه وأصوله ولاذكر له في كتب هذين الفنين.
ومن تنبّه للفارق بينه وبين مُصنّف الأصل من الكُتّاب عدل عن ترجمته به إلى ترجمته بالكمال أبي البركات بن الأنباري النحوي المتوفى سنة 577 صاحب (الإنصاف) في الخلاف بين نحاة البصرة والكوفة, وهو أيضاً غلط, لأن هذا أيضاً نحوي صرف ليس له شغل بأصول الفقه ولا له ذكر عند أهل الفن.
وإنما هو أبو الحسن علي بن إسماعيل ابن الأبياري المالكي المتوفى سنة 616, وشرحه هو المسمى بـ(التحقيق والبيان) وقد نبّه ابن فرحون في (الديباج) (1/213) بما حكاه عن الحافظ أبي المظفر وحيد الدين أنه من أبيار من بلاد مصر على شاطئ النيل, بينها وبين الإسكندرية أقل من يومين, قال: وبعضهم يصحفها بأنبار بنون بعد الهمزة.
وبعض المحققين لايتنبّه لهذا فيقع له الوهم مع ظهوره! أعني الفارق الزمني بين مؤلف الأصل والشارح, كالذي تقدم, ونظيره أن اللجنة الأزهرية التي حققتْ (البحر الالمحيط) في طبعته بدار الكُتبي بمصر, ترجمت لشارح (برهان إمام الحرمين) وهو ابن العلاف, بأبي الهذيل العلاف المعتزلي المتكلم المشهور, مع أنه توفي قبل أن يولد إمام الحرمين بدهر!.
ومن أغاليط الكُتّاب أن يشتبه عليهم قول بعض المتقدمين من المُصنّفين: (قال أبو فلان) فيظن من لادُربة له باصطلاحهم, أنه ينقل عن غيره, وإنما أراد نفسه, كما يقول البخاري في (كتابه) (قال أبو عبد الله) يريد نفسه, وهذه كنيته, وكأبي بكر بن خزيمة في (صحيحه) وأبي محمد بن عطية في (تفسيره) وأبي بكر البيهقي وغيرهم.
ويقع هذا الغلط لكثير من طلبة الدكتوراه, ووقع لبعض المحققين والكُتّاب منهم الدكتور رفعت العوضي في كتابه الذي صنفه في الاقتصاد الإسلامي, فإنه ينقل عن أبي محمد بن حزم أنه نقل عمّن سماه هو بالفقيه أبي محمد, لأنه رأى ابن حزم يقول: قال أبو محمد, فيظنُّه غيرَه, وإنما عنى ابنُ حزم نفسَه, ونقلَ قولَه واختياره, وأغرب منه أن ابن حزم تارة يقول عن نفسه: قال علي, فظنَّ بعض الأساتذة أنه يحكي قولاً عن أمير المؤمنين علي عليه السلام.!
ونظيره أن بعض المصنفين من أهل العلم يطلق في تصانيفه على نفسه بالإمام أو الشيخ, وربما يكون هذا الإطلاق من الناسخ أو بعض أصحاب المصنف, فيظنُّ بعض الدارسين أنه يحكي قولاً عن إمام معين, فينقله على ما فهمه, وهذا يقع في الغالب للمتقدمين من المشارقة, كالقفال الشاشي في (المستظهري) والحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي في تصانيفه, فإنه تارة يقول عن نفسه: قال الإمام أحمد, فظنَّ بعض المؤلفين والكُتّاب أنه يحكي قولاً عن الإمام أحمد بن حنبل صاحب المذهب, فينقله على ما ظنَّ ويَهِمُ فيه, وليس كذلك وإنما عنى رأْيَه وحكى قول نفسه.
ومن ذلك أنه اشتبه على بعض المحققين للمخطوطات في الفقه والأصول (القفّال) فيغلطون فيه غلطاً بيّناً, تارة يترجمون القفّالَ الأصوليَّ بالفقيه, وتارة على العكس, وقد وقع هذا الوهم لجماعة منهم المحققان لمختصر المرداوي في الأصول وهو (تحرير المنقول) فإنهما ترجماه بالقفال الصغير المروزي الذي يُذكر في كتب الفقه وهو عبد الله بن أحمد المتوفى سنة 417, وهو صاحب طريقة الخراسانيين في مذهب الشافعي, وليس كذلك بيقين, وإنما هو أبو بكر القفال الكبير محمد بن علي بن إسماعيل المتوفى 335, وله (شرح رسالة الشافعي) وكتاب في الأصول ذكرهما الزركشي في (مقدمة البحر) في تعداد موارد كتابه الأصولية ومصادره.
وذكر ابن السبكي في ترجمة القفّال الصغير من (الطبقات) أنه أكثر ذكراً في كتب الفقه, وأما الكبير فيذكر فيما عدا كتب الفقه من الأصول والتفسير وغيرهما.
ونظيره (ابن عرفة) فإنه إذا أُطلق في كتب التفسير واللغة والأدب فهو نفطويه إبراهيم بن محمد بن عرفة الواسطي المتوفى سنة (223) وإذا أطلق في كتب الكلام والفقه والأصول فهو التونسي محمد بن محمد الورغمّي المتوفى سنة (802) وقد اشتبه هذا على الأدنه وي في (طبقات المفسرين) فوهم فيه كما شرحناه مبسوطاً فيما جمعناه من (تفسير نفطويه) و (عيون فوائده وأخباره).
ومما يشتبه (نافع) فإن بعض الأساتذة خلط بين نافع المقرئ ونافع الفقيه الراوي للحديث وهو مولى ابن عمر, منهم الدكتور محمد نبيل غنايم في كتابه عن مدارس مصر الفقهية, فإنه ذكر أن أشهب قرأ على نافع, ثم ترجمه بنافع مولى ابن عمر, وهو غلط ظاهر, فإن أشهب لم يدركه أصلاً, وإنما هو نافع المدني أحد السبعة.
ومنه نَقْلُ القاضي أبي بكر بن العربي في مواضع من تواليفه عن الطوسي الأكبر, فيغلط بعض الناقلين عنه من الباحثين فيظنه أبا حامد الغزالي ويترجمه به, وليس كذلك وإنما هو إسماعيل الطوسي, وأما الغزالي فهو أدنى منه في الطبقة, ولذا يميزهما القاضي بتقييد إسماعيل الطوسي بالأكبر.
ونظيره نَقْلُ سيبويه في (كتابه) عن الثقة, فيظنه من لايحقق هذا الشأن, الخليلَ بن أحمد الفراهيدي, وإنما هو أبو زيد الأنصاري.
ومنه أن صاحب (المغني) أكثر النقل عن أبي الحسن الآمدي, وقد غلط فيه بعض طلبة الفقه في الدكتوراه, فظنه الآمديَّ المتكلم الأصولي, وغرّه أنه كان قبل أن يتحول إلى مذهب الشافعي حنبلياً, وفي الحنابلة آمديان كلاهما يكنى بأبي الحسن, وهما: محمد بن أحمد الغازي, والثاني: علي ابن محمد بن عبد الرحمن البغدادي صاحب القاضي أبي يعلى والمقدّم على جميع أصحابه في النظر, وله في الفقه (عمدة الحاضر) كبير مفيد, وهو شيخ الأول, ولعله المقصود في نقل الموفق, وكلاهما مترجم في (ذيل الطبقات).
ومنه غلط بعض الطلبة والكُتّاب في ابن الصبّاغ, فيترجمونه بابن أخيه وزوج ابنته أبي منصور بن الصباغ, كما صنع الدكتور أيمن حمزة في (القواعد الأصولية عند ابن تيمية) وغيره, وإنما المراد إذا أُطلق عند الشافعية أبو نصر عمّه صاحب (الشامل), ولايذكرون ابنَ أخيه إلا مقروناً بكنيته.
ووقع لملا كاتب جلبي في (كشف الظنون) وهم تبعه عليه بعض الكُتّاب, فإنه ذكر في الكلام على (رسالة الشافعي) من انتدب لشرحها من العلماء, فذكر القفال الشاشي وأبا بكر الجوزقي وأبا الوليد النيسابوري وأبا بكر الصيرفي, ولو انتهى إلى ذكر هؤلاء الأئمة واقتصر عليهم لأجاد وأفاد, وإن كان فاته شرح أبي محمد الجويني والد إمام الحرمين, وقد ذكره الزركشي في (مقدمة البحر).
لكن الملا زاد فذكر شروحاً أخرى زعم أنها على (رسالة الشافعي) كشرح أبي زيد الجزولي والفاكهاني وغيرهما, وهو غلط ظاهر, وإنما شرح هؤلاء رسالة أبي محمد بن أبي زيد القيرواني في مذهب مالك, وقد تنبّه العلامة أحمد شاكر إلى هذا الوهم, فاقتصر في (مقدمة الرسالة) على ذكر شروح الخمسة الأعلام الذين مرّ ذكرهم.
ومما يشتبه (الحلواني) من الحنابلة, وهو بضم أوله وقيل بالفتح, وقد اضطرب الناس فيه, فترجمه محققا (شرح الكوكب) لابن النجار, بأبي الفتح محمد بن علي المتوفى سنة 505, وله تصنيف في أصول الفقه, وتبعهما عليه محققا (مختصر المرداوي الأصلي) والظاهر أنهم اعتمدوا على ما ذكره ابن بدران في (المدخل) أن الحلواني إذا أُطلق عند الحنابلة فهو هذا.
ونازعهم في ترجمته جماعة منهم الدكتور عبد الرحمن الجبرين في تحقيق (التحبير) للمرداوي, فترجمه بولده عبد الرحمن بن محمد بن علي المتوفى سنة 546, وله (الكفاية في أصول الفقه) وتأنى الدكتور عوض القرني فيه, فذكر أن الحلواني اثنان, وساق لهما ترجمة مختصرة ولم يرجح.
والتحقيق أن المراد في إطلاق الأصوليين هو الابن, لأن جماعة من أصوليي الحنابلة ذكروه باسمه وأزالوا بذلك الابهام عنه, منهم أبو الحسن بن اللحام في (قواعده) فإنه ذكره في مسألة الأمر إن قلنا إنه للندب, هل هو حقيقة فيه؟ فذكر قول من قال إنه مجاز فيه ثم قال: (واختاره عبد الرحمن الحلواني من أصحابنا) وتبعه على هذا أبو بكر الجرّاعي في (شرح أصول ابن اللحام).
وأما الأب فإنه المراد في إطلاق الفقهاء من الحنابلة, وهو الذي قصده ابن بدران, وقد رأيتُ المرداوي ذكر في آخر (مختصره الأصلي) أن الحلوانيَّ عند الإطلاق هو عبد الرحمن, لكنه سماه: عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسين, وأُراه وهماً أو تصحيفاً من الناسخ, فليس في الحلوانيين الحنابلة من يُعرف بهذا الاسم, ولم يذكر العلامة بكر أبو زيد رحمه الله في (المدخل) حلوانياً بهذا الاسم. والله أعلم
ومما يشتبه (البندنيجي) وقد رأيتُ الدكتور عوض القرني في تحقيق (التحبير) غلط فيه, فترجمه بأبي نصر محمد بن هبة الله صاحب الشيخ أبي إسحاق الشيرازي المتوفى سنة 495, وإنما هو القاضي أبو علي البندنيجي صاحب (الجامع) وهو من أرفع أصحاب الشيخ أبي حامد الاسفراييني وله عنه تعليق مشهور, لأنه المراد في إطلاق أصحاب الشافعي, وأما أبو نصر فإنهم يميّزونه بذكر كنيته أو كتابه الذي هو (المعتمد). والله أعلم
وللفاضل المذكور أوهام متكاثرة في الأجزاء التي تولى تحقيقها من (تحبير المرداوي) لعله يعيد النظر فيه, ولاسيما أن الكتاب قد نفد عند الكُتبيين, وبلغنا أن دار الرشد بالرياض تعتزم طبعه ثانية, فمن أوهامه أنه ترجم للسعدي في مباحث السنة من (التحبير) بأبي الفضل محمد بن أحمد الشافعي المتوفى سنة 441, وإنما هو أبو إسحاق الجوزجاني السعدي الحافظ المعروف.
وعندما نقل المرداوي من (الذخائر) لمجلي بالجيم, في فصل عطف الاستثناء على الاستثناء, تصحّف عليه إلى (المحلي) بالحاء المهملة, فكتب في الحاشية: (كأنه كتاب فقه للجلال المحلي)! وإنما هو القاضي أبو المعالي مجلي بن جميع الأرسوفي من شافعية مصر, مصنِّف (الذخائر) في فروع الشافعية, وفيه غرائب لا يعوّل عليها حذاق المذهب, وهو عسر الترتيب وعر المسلك, على جلالته وكثرة فروعه.
ورأيتُه في مسألة إجازة الخاص للعام خلط خلطاً بيّناً بين ابن رشد الجد وحفيده, ونقل المرداوي في الكلام على عموم (أي) عن صاحب (اللباب) من الحنفية, فترجمه هو بعلي بن زكريا المنبجي, وهو غلط ظاهر, والصواب أنه أبو الحسن البستي الجرجاني مصنِّف (اللباب) في أصول الحنفية كما نصّ عليه الزركشي في مقدمة (البحر المحيط) وإنما نقل المرداوي هذا عنه.
وفي الكلام على مسألة تقديم المستثنى على المستثنى منه, نقل المرداوي عن اللخمي, فترجمه المحقق بأبي القاسم بدر بن الهيثم الشافعي المتوفى سنة 318! وإنما هو أبو الحسن اللخمي المالكي المتوفى سنة 487, واسمه علي بن محمد, معروف عند إطلاق المالكية لقب اللخمي ولاينصرف إلا إليه, وهو مصنِّف (التبصرة) في مذهب مالك, وله فيها اختيارات غريبة خارجة عن المذهب, حتى قال بعضهم:
لقد مزّقتْ قلبي سهامُ عيونها.....كما مزّقَ اللخميُّ مذهبَ مالكِ
والرجل مجتهد لايحكمه إلا الدليل, ولذا أنصفه مَنْ قال فيه:
واظب على نظر اللخميِّ إنّ له.....فضلاً على غيره للناس قدْ بانا
يستحسنُ القولَ إنْ صحتْ أدلتُه.....ويوضِحُ الحقَ تبياناً وفرقانا
ولا يبالي إذا ما الحقُّ ساعدَه.....بمَنْ يخالفُه في الناس مَنْ كانا
وللفاضل المذكور في تحقيق (تحبير المرداوي) في أصول الفقه غير هذا من الأغلاط, فضلاً عن أن بعض الإحالات إلى المصادر والمراجع ليس بدقيق.
ومنه (ابن بشير) الذي يقع ذكره في كتب المالكية, وقد اشتبه على محقق (الأخنائية) الدكتور أحمد العنزي فترجمه بمحمد بن إبراهيم بن عبدوس بن بشير, والمحفوظ عند المالكية أنه إبراهيم بن عبد الصمد بن بشير مصنف (التنبيه) فهو الذي ينصرف إليه (ابن بشير) عند الإطلاق.
ومما يشتبه أيضاً لقب (الحاكم) والمشهور به عند أهل العلم حافظان أشهرهما به: الحاكم أبو عبد الله بن البيِّع صاحب (المستدرك) والثاني: شيخه أبو أحمد الحاكم مُصنِّف (الأسامي والكُنى) ويقال له الكبير, تمييزاً له عن الأول.
وفي الحنفية: الحاكم الشهيد ويُعرف بصاحب (المختصر) وهو أبو الفضل محمد بن أحمد المروزي, وهو المراد في كتب الفقهاء والأصوليين ولاسيما الحنفية, فإنه اختصر كتب محمد التي يقال لها كتب ظاهر الرواية, ولخصها في مختصر لطيف, شرحه السرخسي في (المبسوط).
وقد نقل عنه التاج الأرموي في (الحاصل) في باب الإجماع, في الكلام على مسألة الإجماع الصادر عن اجتهاد هل هو حجة؟ فغلط في ترجمته محققُه الأستاذ الدكتور عبد السلام أبو ناجي, فترجمه بالحاكم الكبير, وليس هو بيقين, فإنّ هذا الأخير لايوجد عنه نقل في أصول الفقه, وإنما هو الحاكم الشهيد. والله أعلم
ورأيتُ بعض طلبة الدكتوراه في رسائلهم يخلطون في (ابن الأثير) فيجعلونهم واحداً! وهم ثلاثة إخوة, مجد الدين المحدث الفقيه صاحب (النهاية) و (جامع الأصول) و (شرح مسند الشافعي) وغيرها من التصانيف, وأخوه المؤرخ عز الدين صاحب (الكامل) وأخوهما الأديب ضياء الدين صاحب (المثل السائر). والله أعلم
آخره
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
كتبه
د. بلال فيصل البحر
القاهرة - 1435

...

 

Copyright © 2013 All rights reserved.

Flag Counter