كتاب الربا

باب 7

ماجاء في التحذير من أكل الربا

8.عن ابن مسعود قال لعن رسولُ الله (( صلى الله عليه وسلم )) آكلَ الربا وموكله وشاهديه وكاتبه ، رواه الترمذي 1206 وصححه الالباني ،

اللعن في اللغة هو الطرد والابعاد وحذف متعلق اللعن هنا يدل على العموم والمراد ابعاد المتعامل بالربا وطرده عن كل خير في الدنيا والاخرة واعظم حرمان هوالطرد من الجنة ومن رحمة الله تعالى ، واللعن هنا يشمل الجميع سواء كان ممن ياكله اويشهد على عقود متضمنة للربا اويتولى توثيق تلك العقود ، والعلة في شمول اللعن لكل من شارك في هذه الكبيرة هولتعظيم خطرها والمبالغة في ابعاد الناس عن الوقوع فيها لما في المال من فتنة لايسلم منه الا من عصمه الله تعالى ويؤخذ من الحديث ومن احاديث اخر ان المفسدة اذا عظم شأنها شملت اموراً ظنية فضلاً عن القطعية .

9. عن ابي هريرة قال : قال رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) : الربا سبعون حوباً ايسرها ان ينكح الرجل امه ، رواه بن ماجة 2274 وصححه الالباني ،

وهذا الحديث فيه من زيادة تقبيح الربا وشناعته مالا يتحمله بشر ولولم يكن مؤمناً. وتنفيرٌ عنه بمالامثيل له في اساليب الوعيد

والتخويف ولولم يكن في التحذير من شناعة الربا وتعظيم اثمــه

الاهذا الحديث لكفى كل صاحب فطرة في استقباح هذه الجريمة وأن تصْرفَه عنها ، فلينظر المسلم اليوم الى تهالك الناس في الوقوع بصنوف الربا وماذلك الالتلوث فطرهم وتكالبهم على الدنيا الفانية وتفضيلها على ماعندالله تعالى من نعيم دائم . وافتتانهم بالمال فانالله وانا اليه راجعون ،

 وفي الحديث فوائد اخرى منها التنبيه على ان الربا اشد إثماً من الزنا ومنها ان الربا صنوف وابواب . والحَوْب : بفتح الحاء وسكون الواو يرد لمعانٍ منها : النوع والاثم والحزن، والاول ارجح . ولايلزم ان تكون كل انواعه من قبيل المبادلات المالية . بدليل قوله (( صلى الله عليه وسلم )) الربا اثنان وسبعون باباً ادناها مثل اتيان الرجل امه وان اربا الربا استطالةُ الرجلِ في عِرض اخيه[1]" فدل على ان ليس كل اصناف الربا من قبيل البيوع اوالمبادلات التجارية . والى مثل ذلك اشار كلام عمر رضي الله تعالى عنه بقوله : إن آخر مانزلت آية الربا وان رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) قُبِض ولم يفسرها لنا فدعوا الربا والريبة[2]، ويجوز حمل العدد على التكثير . لاالحصر . والله تعالى اعلم .

 

 

٭ ٭ ٭

 

باب 8

في بيع الذهب والفضة والتمر والبُر والشعير والملح

10.عن عبادة بن الصامت :عن النبي (( صلى الله عليه وسلم )) قال الذهب بالذهب مثلاً بمثل والفضة بالفضة مثلاً بمثل والتمر بالتمرمثلاً بمثل والبرّ بالبرّ مثلاً بمثل والملح بالملح مثلاً بمثل والشعير بالشعير مثلاً بمثل فمن زاد اوازداد فقد اربى ، بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يداً بيد وبيعوا البُر بالتمر كيف شئتم يداً بيد وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يداً بيد ، رواه الترمذي 1240 وصححه الالباني ،

اعلم ان الربا قسمان واليه ترجع سائر انواعه وهما :

الاول ربا الفضل وهو الزيادة في احد العوضين في عقد البيع دون مقابل له في العوض الاخر كبيع كيلو من احد انواع التمر باثنين من نوع آخرمن التمر ،

والثاني ربا النسيئة وهو بيع نوع من الانواع التي يشملها حكم الربا كالذهب والفضة مع تاخير القبض فيهما اواحدهما ،

واعلم ان هذا الحديث اصل في بيان انواع الربا وتأصيل لفروعه المتعددة وللعلماء مذاهب في استنباط العلة التي تنبني سائرالفروع المنشعبة عن هذه الاصول الستة قال ابن قدامة في المغني : " واتفق المعللون على ان علة الذهب والفضة واحدة وعلة الاعيان الاربعة واحدة[3]" اهـ . واختلف العلماء في بيان العلة التي من اجلها حرمت هذه الاصناف فاختار ابن تيمية ووافقه ابن عثيمين رحمهما الله على ان العلة في الذهب والفضة قاصرة عليهما فيجري الربا فيهما سواء كانا نقوداً اوحلياً اوتبـــــراً اوأي صورة اخرى وان العلة في البقية هي كونها مكيلة مطعومة[4]. أي مركبة من وصفين فان افترقا جاز التفاضل والنسيئة فيجوز في الطعام غير المكيل اوالموزون ويجوز في المكيل اوالموزون من غيرالطعام .

وخلاصة الحديث ان الاجناس المذكورة اذا بيعت بمثلها وجب لصحة البيع شرطان :

 الاول : التساوي في المقدار .

 والثاني التقابض في مجلس العقد ،

واذا اختلفت الاجناس كالحنطة بالشعير جاز التفاضل بينهما بشرط التقابض في مجلس العقد . فلايجوزتأجيل قبض احدهما . واما اذا كان احد العوضين من قبيل الاثمان كالفضة والاخر مثمناً كالحنطة اوالملح ومايلحقهما فيجوز تاجيل القبض .

تنبيه: من الاخطاء الكبيرة الشائعة بين المسلمين هو ظنهم ارتباط الاوراق النقدية بالذهب اوالفضة اوانها تقوم مقامها باعتبار انها تمثل قيمتها من الذهب اوالفضة . فاعلم ان هذا الارتباط قد انفك بينهما منذ ايام الحرب العالمية الثانية وسارت عليه دول العالم كلها بالتدريج . حتى انتهى تماما في العصرالحالي[5]. فلايصح بناءً على ذلك قياس الاوراق المالية على الذهب اوالفضة في المعاملات المالية بوجه مطلق . حتى ذهب كثير من العلماء من الشافعية والحنابلة وبعض الحنفية والمالكية الى عدم اعتبارها من قبيل الاثمان الربوية وانها كالعروض[6].

 ومما اشكل على كثير من المسلمين في هذا الزمان هو حكم بيع العملات المختلفة كالدينار بالدولار سواء نقداً اونسيئة فقد جوز الشيخ عبدالرحمن السعدي بيع العملات المختلفة بغير تقابض في المجلس ولكن دون اشتراط الاجل ومنعه تلميذه ابن عثيمين[7]. فينبغي التورع عن مثل هذه المعاملات الاعند الاضطرار . اتقاءً للشبهات . ولايقال بالقطع في تحريمها خصوصا اذا ترتب على تركها مفاسد كبيرة اوتضييق شديد وتعطل المصالح العامة . فان المسالة غير مقطوع بصحة قياسها على العقود الربوية . لما تقدم من كلام في عدم صحة قياسها على الذهب اوالفضة بوجه مطلق.

 

 

٭ ٭ ٭

 

باب 9

فيما يتصل بالذهب من خرز ونحوه

11.عن فضالة بن عبيد قال أتي النبي (( صلى الله عليه وسلم )) عام خيبر بقلادة فيها ذهب وخرز- قال ابوبكر وابن منيع : فيها خرز معلقة بذهب ابتاعها رجل بتسعة دنانير أوبسبعة دنانير. فقال النبي (( صلى الله عليه وسلم )) : لا. حتى تميز بينه وبينه . فقال انما اردتُ الحجارة . فقال النبي (( صلى الله عليه وسلم )) لا. حتى تميز بينهما ، قال فرده حتى ميز بينهما ، رواه ابوداود 3351 وصححه الالباني ،

الحديث فيه تفصيل مهم في بيان مايشمله الربا من عقود البيع

وهومماشاع وتنوع في زماننا هذا فان الحلي الذهبية قد شاع فيها اضافة اشياء اخرى من غير جنس الذهب اوالفضة مماتتفاوت قيمته من جهة وبما يضاف وزنه الى وزن الذهب عند الوزن وهذا ما نص الحديث على النهي عنه مهما خف وزنه فينبغي فصله عن الذهب..

وقوله : فيها ذهب وخرز" الخرز هنا المراد به الجواهر ،

وقوله : انما اردت الحجارة " أي : انما قصدت من شراء القلادة الحجارة التي فيها وهي الجوهرة – وهي غير مشمولة باحكام الربا .

 

 

 

٭ ٭ ٭

 

باب 10

باب جواز التفاضل في غيرما كان من قبيل المنصوص

 

12.عن جابر أن النبي (( صلى الله عليه وسلم )) اشترى عبداً بعبدين ، رواه ابوداود3358 وصححه الالباني ،

وهذا الحديث اصل آخر في بيان مايستثنى من عقود المعاوضات التي يجوز فيها التفاضل فيما هو من قبيل الجنس الواحد وذلك لعدم اندراجه ضمن واحدة من علل الربا . وان التفاضل فيما سوى المنصوص عليه ومايلحق بها من فروع اخرى يجوز التفاضل والنسيئة فيها . والله تعالى اعلم ،

 

 

٭ ٭ ٭

 

 

 

كتاب البيوع المنهي عنها

باب 11

النهي عن الغرر في البيوع

13.وعن ابي هريرة قال نهى رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر ، رواه مسلم 1513 ،

المقصود ببيع الحصاة ان يقول البائع بعتك من هذه الفاكهة اوالاثواب ماوقعت عليه الحصاة التي ارميها . وقيل هوأن يقول البائع انت بالخيار حتى ارمي بهذه الحصاة ونحوذلك . وهو احد ضروب بيوع الغرر المنهي عنها كما سيأتي ، واعلم ان الغرر هو واحد من ثلاثة اصول عليها تدور جميع صور عقود البيع الفاسدة والتي لخصها ابن رشد في بداية المجتهد[8] وجعلها اسباب الفساد العامة وهي :

الاصل الاول: مايرجع الى تحريم عين المبيع[9] كلحم الخنزير والخمرولحم الكلب ولحم الحمارالاهلي، اوتحريم السلع المسروقة والمغتصبة .

الاصل الثاني : مايرجع الى نوع من انواع الربا وحصرها متعذر في هذا المختصر فمنها ماظهر في الازمنة المتأخرة كالفوائد المأخوذة من البنوك وكذلك السندات وغير ذلك .

الاصل الثالث : الغرر واكثر العقود المنهي عنها هي من هذا القبيل كبيع الحصاة المذكور في هذا الحديث وهو اسم مصدرمن التغرير وهوالخطر والخدعة وتعريض المرء نفسه اوماله للهلكة..وعرفه الجرجاني بانه مايكون مجهول العاقبة لايدرى ايكون ام لا[10] " اهـ . ويمكن حصر فروعه بان يقال ان الغرر كل ماتضمن بدلاً غير منضبط وصفه اوغير متيقن قبضه من العقود فهو من قبيل بيع الغرر. فغير منضبط الوصف كالحمل في بطن امه وغير متيقــــن القبض كبيع السلع قبل تمام تملكها .

وقال النووي[11] : النهي عن بيع الغرر اصل عظيم من اصول كتاب البيع ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة كبيع الآبق والمعدوم والمجهول ومالايقدر على تسليمه ومالم يتم ملك البائع عليه وبيع السمك في الماء الكثير واللبن في الضرع وبيع الحمل في البطن وبيع الصبرة[12] مبهما .. وكل هذا بيعه باطل " اهـ

واعلم انه يتسامح في الغرر في اربعة احوال هي :

الاول: الغرراليسير كتأجير بيت بالشهر القمري مع عدم معرفة عدد ايامه على وجه اليقين .

الثاني: الغرر الذي يعسراويتعذر ضبطه كتساوي اجرة النقل بالنسبة للسافرين مع تفاوت مسافات اماكنهم . وكتساوي اجرة العمال مع تفاوت جهدهم وكفائتهم .

الثالث: الغرر الذي يعسر اويتعذر تجاوزه كبيع البيت مع عدم معرفة متانة بنائه وتفاوت البيوت في اساسها .

الرابع: الغرر الذي تشتد الحاجة اليه كعقد السَلَم[13] فانه بيع معدوم وجوز لرفع الحرج عن الناس لحاجتهم الى المال المعجل في قضاء حوائجهم .

وماسيأتي من احاديث هي مفصلة لبعض ضروب الغرر .

14. عن ابي سعيد الخدري أن النبي (( صلى الله عليه وسلم )) نهى عن بيعتيَن وعن لِبستين اما البيعتان فالمُلامَسةُ والمُنابَذةُ واما اللِبستان : فاشتمالُ الصَمّاء وان يحتبي الرجلُ في ثوبٍ واحدٍ كاشفاً عن فرجه . اوليس

على فرجه منه شئ، رواه ابوداود 3377 وصححه الالباني .

هذا الحديث من الاحاديث المفصلة لبيوع الغررلعدم انضباط وصف السلعة المراد بيعها . وتضمن صنفين منها الاول بيع الملامسة وهوان يقتصر البائع في عرض سلعته على اللمس ويمنع المشتري من رؤيته مثلاً وقيل ان يتم البيع بمجرد اللمس وكل ذلك داخل في الغرر لعدم انضباط وصف السلعة لدى المشتري مما يفضي الى الخلاف . واما المنابذة فهو ان ينبذ البائع السلعةَ للمشتري ويجعل مجرد امساك المشتري لها بيعاً . وقيل ان يجعل النبذ قاطعاً للخيار . وهو قريب مماقيل في الملامسة وبيع الحصاة .

واما اشتمال الصَمّاء : بفتح وتخفيف الصاد المهملة وتشديد الميم من الصمم وهو الاغلاق والانسداد ومنه الاصم لانسداد اذنه. وهو الثوب الذي ليس فيه اكمام لاخراج اليدين . وفي ذلك من اعاقة الحركة وتعرض لابسه للحرج مما قد يصادفه من حوادث تقتضي استعمال اليدين لدفع الضررعنه . واما اللبسة الثانية فهي لغرض ستر العورة ويندرج ضمن هاتين اللبستين كل لباس فيه تضييق واذى على لابسه اوفيه كشف اوابراز للعورة .

وهاتان العلتان مجتمعتان في اللباس الضيّق الذي شاع في اوساط الرجال والنساء . فانه يؤذي الاوردة وقد يؤدي الى انحباس الدم وفيه من الضرر مالايخفى . ويبرز العورة ممايجعلها كالمكشوفة مماقد يؤدي الى ابطال الصلاة وافتتان الناظرين وفي ذلك من الافساد مالايخفى .

15. وعن ابن عمر عن رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) انه نهى عن حَبَل الحبلة ، وعنه قال كان اهل الجاهلية يتبايعون لحم الجزور الى حَبَل الحبلة ، وحَبَل الحبلة : ان تنتج الناقة ثم تحمل التي نتجت فنهاهم رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) عن ذلك ، رواه مسلم 3788 و3789

هذا الحديث اصل اخر من اصول بيوع الغرر ويندرج ضمن علتي الغرروهما: البيع غير المتيقن قبضه لاحتمال موته قبل ولادته. والبيع غير المنضبط وصفه للجهل في معرفة جنسه وسلامته من العيوب . والاصل في الحَبَل وهوبتحريك الحاء المهملة والباء : ان يختص بالآدميات ويقال في غيرهن حمل وهذا الحديث يرد هذا الادعاء . وقد ذكر بعض العلماء تفسيراً اخر لبيع حبل الحبلة غير الذي ذكره ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقيل هوبيع ولد الناقة الحامل في الحال ، أي قبل ان تلد .وهو من قبيل اختلاف التنوع لاالتضاد . فان كلاالتفسيرين داخل في علة النهي ،

 

 

 

٭ ٭ ٭

 

باب 12

النهي ان يبيع الرجل على بيع اخيه وعن النجش وتلقي الركبان والتصرية وان يبيع حاضر لبادٍ

16. عن ابي هريرة ان رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) قال لاتلقّوا الرُكبانَ ولايَبع بعضُكم على بَيع بعضٍ ولاتناجَشوا ولايَبِع حاضرٌ لبادٍ ولاتُصرّوا الغنم ومَنْ ابتاعها فهو بِخير النَظَرين بعد أن يحتلبها إن رَضِيَها امسكها وان سَخِطها ردّها وصاعاً مِن تَمْرٍ ، رواه البخاري 2150 ،

تضمن هذا الحديث خمس مسائل مهمة من مسائل البيوع هي بمثابة القواعد التي ينشعب عنها الكثير من الفروع وهذه المسائل هي :

المسألة الاولى : وهي قوله (( صلى الله عليه وسلم )) " لاتلقوا الركبان" أي لاتستقبلوا البضائع القادمة الى البلدة للشراء قبل وصولها ومعرفة اصحابها للسعرتجنباً للخديعة والغبن وليكون اصحابها على بينة من الحالة التي عليها السوق وكيفية البيع . وكذلك الرفق باهل السوق لئلا

ينقطع عنهم مايتكسبون به ، وذهب ابوحنيفة الى ان الحكمة من ذلك رفع الضرر فان لم يضر بالناس تلقي ذلك فلابأس به[14] وفي رواية " لاتلقوا الجَلَب " وفي رواية اخرى " لاتلقوا السلع " وهي بمعنى واحد . وقد جزم البخاري ان بيعه باطل وذهب العلماء الى فسخ البيع الحاصل قبل وصول السلع الى السوق .

المسألة الثانية : قوله (( صلى الله عليه وسلم )) " لايبع بعضكم على بيع بعض" ومثال ذلك ان يقول رجل لمن باع سلعة افسخ البيع وانا اشتريه منك بسعر اعلى اوالعكس بان ياتي الى المشتري فيقول افسخ البيع وانا ابيعك بارخص ونحوذلك ممايؤدي الى التباغض وليس النهي مقصوراً على الشراء فعند مسلم[15]وغيره " لايسم على سوم اخيه " والسوم هوعرض السلعة للبيع بثمن ما ودفع من يطلبها بسعر اقل . فشمل النهي السوم كذلك لما يؤدي الى العلة نفسها ولكن بشرط ان يكون السوم بعد الاتفاق على السعر قال النووي[16]"واما السوم على سوم اخيه فهو ان يكون قد اتفق مالك السلعة والراغب فيها على البيع ولم يعقداه فيقول الاخر للبائع انا اشتريه . وهذا حرام بعد استقرار الثمن . واما السوم في السلعة التي تباع فيمن يزيد[17]فليس بحرام " اهـ . وعلى هذا القول فالنهي لايشمل بيع المزايدة لورود الاذن به . وكون النهي هنا دخول المساوم بين البائع والمشتري بعد الاتفاق فاما تساوي المشترين في المساومة وهومعنى المزايدة فلاباس به لغياب علة النهي حينئذٍ .

المسألة الثالثة : قوله (( صلى الله عليه وسلم )) " ولاتناجشوا " النجش في اللغة اثارة الفرائس من مكانها لغرض اصطيادها . والمراد هنا الزيادة في ثمن السلعة ممن لايريد شراءها ليقع غيره فيها سمي بذلك لأن الناجش يثير الرغبة في السلعة ويقع ذلك بمواطأة البائع فيشتركان في الاثم ويقع ذلك بغير علم البائع فيختص بذلك الناجش وقد يختص به البائع كمن يخبر بانه اشترى سلعة باكثر مما اشتراها به ليغر غيره بذلك[18]. وقد ذهب جمهور العلماء الى حرمة النجش مع صحة البيع لان النجش فعل الناجش لاالعاقد فلم يؤثر في البيع[19].

المسألة الرابعة : قوله (( صلى الله عليه وسلم )) " لايبع حاضر لبادٍ " الحاضرهو الذي يسكن الحضر أي المدن والبادي هوالذي يسكن البادية .وفي رواية لمسلم بعد النهي : " دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض "[20]. والنهي عن البيع مرادف للنهي عن الشراء له ايضاً . وصورة النهي ان يقدم البادي اوالغريب عن البلد ببضاعة ليبيعها بسعر يومها فيقول له البلدي : اتركه عندي لأبيعه لك على التدريج باغلى من سعر اليوم . قال العيني[21]" انما نهي عنه لأن فيه تضييق على الناس ... ولايلزم من النهي عن البيع تحريم الاشارة عليه اذا استشاره " اهـ

المسالة الخامسة : قوله (( صلى الله عليه وسلم )) " لاتصروا الغنم" بضم التاء وفتح الصاد يقال صَرّى يُصرِّي على وزن زكّى يزكي . واصلها حبس الماء والمقصود بها هنا ان يقوم البائع بحبس اللبن في ضرع الشاة اوالبقرة ليكبر ضرعها ويغر بها المشتري ليظن وفرة لبنها. فنهى النبي (( صلى الله عليه وسلم )) عن ذلك . ثم قال " ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد ان يحتلبها " أي من اشتراها فهو بخير الرأيين فاثبت له الخيار لوجود العيب .

الرأي اوالخيار الاول " ان رضيها امسكها " أي قبل بالبيع .

والخيار الثاني " ان سخطها ردها وصاعاً من تمر" أي ان لم يرضَ بالبيع واراد ارجاع الشاة مثلاً لزمه ان يعيد معها صاعاً[22]من تمر . وفي رواية طعام بدل التمر.

٭ ٭ ٭

باب 13

البيعتين في بيعة

17.عن ابي هريرة قال : قال النبي (( صلى الله عليه وسلم )) من باع بيعتين في بيعة فله اوكسهما اوالربا ، رواه ابوداود3461 وحسنه الالباني ،

للعلماء في تفسير الحديث اقوال اشهرها اثنان هي :

القول الاول : ان المقصود ان يقول البائع بعتك هذه السلعة بنقد

بالف وبنسيئة[23]الف ومئة مثلاً . فيكون زاد في الثمن لتأجيل موعد التسديد فشابه ربا النسيئة . ولذلك قال (( صلى الله عليه وسلم )) : فله اوكسهما . أي اقل السعرين اوالربا لتضمن الاجل زيادة في السعر واشترط بعض العلماء القائلين بهذا القول ان يفترقا دون ان يتفقا على احد السعرين . وهو قول مرجوح لماسيأتي بيانه ان شاءالله تعالى وفي ذلك يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله " واما من قال بان معنى الحديث " نهى عن بيعتين في بيعة هو ان يقول الانسان بعتك هذا بعشرة نقداً اوبعشرين نسيئة فغير صحيح بل هذا لابأس به لانه لايخلو اما أن نتفرق بدون قطع ثمن واما ان نقطع الثمن من قبل التفرق . ان قطعنا الثمن قبل التفرق فقلت : اخذته بعشرة نقداً فالبيعة واحدة وان تفرقنا فانه يبقى الثمن مجهولاً . ومعلوم ان من شروط البيع ان يكون الثمن معلوماً فهنا يُنهى عنه لالأنه بيعتان في بيعة ولكن لان الثمن مجهول . ولهذا لوحدد بان قال بعتك هذا بعشرة نقداً اوبعشرين نسيئة ولك الخيار لمدة يومين فهذا جائــــز

لانه لامحذور فيه "[24]

القول الثاني : ان يقول المشتري للبائع بعني هذه السلعة نسيئة بمئة واشتريها منك نقدا بتسعين وهي بيع العينة التي ورد النهي عنها في حديث اخر . وسيأتي زيادة بيان للمسألة في الحديث الذي بعده . ان شاء الله تعالى .

 

 

٭ ٭ ٭

 

باب 14

الشرطان في بيع

18.عن عبدالله بن عمرو أن رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) قال لايحل سلف وبيع ولاشرطان في بيع . ولاربح مالم يضمن . ولابيع ماليس عندك ، رواه الترمذي 1234 وقال الالباني حسن صحيح،

تضمن الحديث اربع مسائل مهمة من مسائل البيوع : الاولى: قوله (( صلى الله عليه وسلم )) " لايحل سَلف وبيع"السَلف بفتح السين واللام وهوالقرض والمعنى : لايجوز اشتراط القرض من المشتري لقاء بيعه السلعة هكذا فسره شراح الحديث[25].

الثانية قوله (( صلى الله عليه وسلم )) " ولاشرطان في بيع"وقد اشكل على كثير من الفقهاء معناه من حيث ان الشرطين ان كانا فاسدين فالواحد كذلك فاي فائدة في ذكر الشرطين وان كانا صحيحين لم يحرما . فقيل ان المقصود ان من اشترى ثوباً مثلا واشترط على البائع خياطته وغسله اوطعاماً واشترط على البائع طبخه وجلبه لمنزل المشتري فالبيع باطل وان اشترط شرطا واحداً فالبيع جائز . او ان يبيع بيتاً فيشترط ان لايؤجره ولايبيعه . فقيدوا الشرطين بمااذا كانا فاسدين .

وقيل غير ذلك من التكلف الذي الجأهم اليه ظاهر الحديث .

قال بن القيم[26]بعد ان بيّن بطلان هذه الوجوه " فاذا تبين ضعف هذه الاقوال فالأولى تفسير كلام النبي (( صلى الله عليه وسلم )) بعضه ببعض فنفسر كلامه بكلامه فنقول نظير هذا : نهيه (( صلى الله عليه وسلم )) عن صفقتين في صفقة وعن بيعتين في بيعة.. وقد فسرت البيعتان في البيعة بان يقول ابيعك بعشرة نقداً اوبعشرين نسيئة وهذا بعيد من معنى الحديث من وجهين : احدهما : انه لايدخل الربا في هذا العقد ،

الثاني : ان هذا ليس بصفقتين انما هو صفقة واحدة باحد الثمنين . وقد ردده بين الاوليين اوالربا . ومعلوم انه اذا اخذ بالثمن الازيد في هذا العقد لم يكن ربا . فليس هذا معنى الحديث . وفسر بان يقول : خذ هذه السلعة بعشرة نقداً وآخذها منك بعشرين نسيئة وهي مسألة العينة بعينها . وهذا هو المعنى المطابق للحديث . فانه اذا كان مقصوده الدراهم العاجلة بالآجلة فهولايستحق الا رأس ماله . وهو اوكس الثمنين فان اخذه اخذ اوكسهما . وان اخذ الثمن الاكثر فقد اخذ الربا فلامحيد له عن اوكس الثمنين اوالربا . ولايحتمل الحديث غير هذا المعنى وهذا هوبعينه الشرطان في بيع . فان الشرط يطلق على العقد نفسه لأنهما تشارطا على الوفاء به فهو مشروط ، والشرط يطلق على المشروط كثيراً . كالضرب على المضروب والحلق على المحلوق والنسخ على المنسوخ . فالشرطان كالصفقتين سواء . فشرطان في بيع كصفقتين في صفقة ..

وسر ذلك ان كلا الامرين يؤول الى الربا وهو ذريعة اليه . اماالبيعتان في بيعة فظاهرٌ. فانه اذا باعه السلعة الى شهر ثم اشتراها منه بما شرطه له كان قد باع بما شرطه له بعشرة نسيئة . ولهذا المعنى حرم الله ورسوله العينة . واما السلف والبيع فلأنه اذا أقرضه مئة الى سنة ثم باعه مايساوي خمسين بمئة فقد جعل هذا البيع ذريعة الى الزيادة في القرض الذي موجبه رد المثل ولولا هذا البيع لما اقرضه ولولا عقد القرض لما اشترى ذلك فظهر سر قوله (( صلى الله عليه وسلم )) لايحل سلف وبيع ولاشرطان في بيع " وقول ابن عمر : نهى عن بيعتين في بيعة وعن سلف وبيع " واقتران احدى الجملتين بالاخرى لما كانا سُلّماً الى الربا " اهـ

فينبني على هذا التفسير – وهو الراجح – جواز البيع بالتقسيط وزيادة الثمن مقابل الاجل بشرط الاتفاق قبل الافتراق على سعر واحد يكون ملزماً للطرفين . فليس ذلك داخل في معنى النهي عن بيعتين في بيعة كما تقدم .

المسالة الثالثة : قوله (( صلى الله عليه وسلم )) ولاربح مالم يضمن " وهي متصلة بمسألة النهي عن بيع السلع حتى يحوزها التجار في رحالهم ومسألة النهي عن بيع مالاتملك فهي متممة للمعنى العام لاحد شطري الغرر وهو بيع مالم يقطع بقبضه . فان الربح مستلزم للبيع ومبني عليه فلايحل الربح من بيع سلعة غير مضمونة الملك : وهذا يشمل جزئيات عدة منها ماتقدم التنبيه عليه انفاً ومنها التصرف بالمبيــــع قبل اتمام العقد . كأن يتضمن خياراً زمنياً اوشروطاً لم تكتمل بعد كفحص السلعة اوتكميل اجزائها اوتكميل ثمنها وماشابه من الاسباب المؤدية الى وقف التصرف بالمبيع فمثل هذه العقود لايحل للمشتري ان يبيع مااشتراه بهذه الصورة من العقد .

المسألة الرابعة : قوله (( صلى الله عليه وسلم )) " ولابيع ماليس عندك " وهذه القاعدة هي متممة ايضاً لأصل الغرر العام وسبب النهي عدم الجزم بقدرة البائع على تحصيل السلعة المتفق على بيعها . وليس هذا مناقضاً لمشروعية السَلَم لان النهي هنا انما هومتعلق ببيع الاعيان[27]واما بيع السلم فهو بيعٌ موصوفٌ في الذمةِ غيرُ معينٍ بذاته . فصارت مشروعية البيع اما ان يكون ثابتاً ملكه في يد البائع ، اوثابتاً وصفه في ذمته وهو السلم ، فبيع ماليس عندك ليس بواحد منهما ،

 

 

 

 

 

 

 

 

 

باب 15

في الســلم

19.عن ابن عباس قال قدم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة وهم يسلفون بالتمر السنتين والثلاث فقال : من اسلف في شئ ففي كيل معلوم ووزن معلوم الى اجل معلوم .رواه البخاري 2240 .

السلف : بفتح السين مرادف للسلم وزْناً ومعنى .وهو بيع سلعة مؤجلة موصوفة – غير معينة- بثمن مقدم نقداً . وقد تضمن الحديث شروط جوازه اجمالاً . وهي ان يكون في مكيل معلوم ان كان من المكيلات اووزن معلوم ان كان من الموزونات وان يكون الى اجل معلوم . وبذلك ينضبط مافي الذمة ويندفع الغرر.

قال العيني[28]" والاصل فيه عندنا ان كل شئ يمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه كمكيل وموزون ومذروع ومعدود متقارب كالجوز والبيض " اهـ . فعلى هذا القول لاينحصر السَلم في المكيل اوالموزون بل يجوز فيماتنضبط صفته كالسيارات اذا تعين طرازها ومواصفاتها .

واعلم ان عقود البيع باعتبار زمن قبض العوضين لاتخرج عن اربعة احوال :

الحال الاول : بيع شئ مقدم بثمن نقداً أي ان كلاً من السلعــــــة وثمنها يتم قبضها من المتبايعين في مجلس العقد وهذا لااشكال فيه .

الحال الثاني : عكسه وهو بيع سلعة مؤجلة القبض بثمن مؤجل ويسمى بيع الكالئ بالكالئ اوالدين بالدين وهوغير جائز،

الحال الثالث : بيع السلعة مقدماً بثمن مؤجل ، وهذا لااشكال فيه مالم يكن من الاصناف الربوية ،

الحال الرابع : بيع سلعة موصوفة مؤجلة القبض بثمن مقدم نقداً . وهوالمراد بالسَلم ،

و يمكن ان يلحق بالسلم مايعرف في زماننا ببيع المرابحة[29] وهو ان يأتي من يرغب بشراء سلعة يعجز عن شراءها بالنقد – الى تاجر اومصرف يقدم مثل هذه الخدمات فيطلب منه ان يشتري له هذه السلعة ثم يبيعها المصرف له بالتقسيط وبثمن اكثر . فالراجح جواز مثل هذا التعاقد . بشرط عدم نية الاقتراض لئلا يكون من قبيل ربا النسيئة. وان يكون البيع موصوفاً غير معين لكي لاينطبق عليه النهي عن بيع مالاتملك . وتحمل البائع مسؤلية تلف السلعة قبل التسليم . وتبعة الرد بالعيب[30]. وتوافرت سائر شروط البيع وانتفت موانعه[31].

خاتمة : ألحقَ بعض العلماء ببيع الموصوف الجائز ماكان حاضراً اوحالاً وتعذرت رؤيته بجامع المشقة .

فلزوم رؤية المبيع هوالاصل والبيع بالوصف هو بدل عن الرؤية عند تعذرها[32]

 

 

 

 

 

 

 

باب 16

النهي عن بيع الطعام اذا اشتري قبل ان يستوفى ونقل الطعام اذا بيع جزافاً

 

20. عن ابن عباس ان رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) قال من ابتاع طعاماً فلايبعه

حتى يستوفيه ، قال ابن عباس واحسب كل شئ مثله ، رواه مسلم 3815 .

الحديث اصل اخر من اصول الغرر المندرج ضمن لزوم القطع في القدرة على تسليم المبيع . فقوله (( صلى الله عليه وسلم )) " من ابتاع طعاماً " أي اشترى وللنهي هنا علة اخرى هي مااشاراليها ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حينما سُئل عن سبب النهي فقال الاتراهم يتبايعون بالذهب والطعام مُرْجأ . أي مؤجل . والمعنى ان المشتري اذا اشترى طعاماً بالف مثلاً واعطى البائعَ الثمنَ ولم يقبض الطعامَ ثم باع المشتري الطعام لآخر بالف ومئة وقبضها والطعام لايزال عند البائع الاول فكان كمن باع الفاً بألف ومئة . وعلى هذا التفسير فالنهي لايختص بالطعام لوجود العلة في سائر السلع ولذلك قال ابن عباس : واحسب كل شئ مثله ، وحمل الحديث على المعنى المتقدم يشمل غير الطعام كذلك فالعلة موجودة في غير الطعام على كلا الاحتمالين ، وقوله (( صلى الله عليه وسلم )) " فلايبعه حتى يستوفيه " وفي رواية : "حتى يقبضه". وفي اخرى : "حتى يكتاله " وذلك في الاطعمة التي يتغير وزنها كلما طال بها الزمن كالتمر والعنب ونحو ذلك فأُمِر المشتري ان يعيد كيل ماوزنه عند شرائه لاحتمال تغير الوزن بالجفاف ونحوه ولايكتفي بالكيل اوالوزن الاول . والمعاني متوافقة على تاكيد الاصل العام وهو اجتناب الغرر بكل صُوَره . واعلم ان النهي هنا للتحريم بدلالة قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما : انهم كانوا يُضربون على عهد رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) اذا اشتروا طعاماً جِزافاً أن يبيعوه في مكانه حتى يحولوه " . والجزاف : بكسر الجيم وضمها وفتحها : البيع بلا كيل ولاوزن ولاتقدير .

اما قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما "احسب كل شئ مثله " فهو حجة في تعميم النهي في غير الطعام فان قول الصحابي حجة فيما لم يخالفه نصٌ اوقول صحابي آخر وقد افاض ابن القيم القول في حجية قول الصحابي في اعلام الموقعين بمالامزيد عليه وبين انه يحتج به سواء انفرد اووافقه غيره مالم يرد عن غيره من الصحابة قولُ اخر مخالف .

 

٭ ٭ ٭

 

باب 17

الحيوان بالحيوان نسيئة

21.عن سمرة بن جندب أن رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ، رواه ابن ماجة 2270 وصححه الالباني ،

الحديث فيه ابطال بيع الحيوان بمثله مالم يتم التقابض من الطرفين عند العقد والحديث الذي بعده متمم للمسألة وتفصيل الكلام عنه عند الكلام عن الذي يليه ان شاء الله تعالى .

22. وعن جابر ان رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) قال : لابأس بالحيوان واحداً باثنين يداً بيد وكرهه نسيئةً ، رواه ابن ماجة 2271 وصححه الالباني .الحديث فيه النص على جواز التفاضل في بيع الحيوان اذا تم التقابض عند العقد وقول جابر رضي الله تعالى عنه " وكرهه نسيئة " يدل على التحريم لاالكراهة بالمعنى المتاخر عند الاصوليين . وقد ذهب بعض العلماء الى نسخ حديث النهي المتقدم بهذا الحديث وهوقول مرجوح فان النسخ لايثبت الابعد تعذر الجمع ومعرفة المتقدم من المتأخر من الحديثين . وهنا يمكن الجمع لان الاعمال مقدم على الاهمال . وفي ذلك يقول ابن القيم في زاد المعاد[33]" ان النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة انمــا

كان لأنه ذريعة الى النسيئة في الربويات . فإن البائع اذا رأى

مافي هذا البيع من الربح لم تقتصر نفسه عليه بل تجره الى بيع الربوي كذلك . فسدّ عليهم الذريعة وأباحه يداً بيد . ومنع من النَساء[34]فيه . وماحُرِّم للذريعة يباح للمصلحة الراجحة[35]، كما اباح من المزابنة : العرايا[36]للمصلحة الراجحة واباح ماتدعو اليه الحاجة منها ، وكذلك بيع الحيوان بالحيوان نسيئة متفاضلاً ." اهـ

وقد اختلف العلماء في حكم بيع الحيوان بالحيوان على اقوال ارجحها التفصيل وهو جواز البيع اذا كان العوضان متفاضلين كبقرة ببقرتين لكن بشرط التقابض ولاتجوز النسيئة .

وان كانا متساويين كشاة بشاة جاز فيها النساء أي لايجوز الجمع بين التفاضل والنسيئة بل ان وجد احدهما حرم الاخر. وهو ماذهب اليه ابن القيم في تهذيب السنن[37]وقال " وهذا اعدل الاقوال في المسألة " واعلم ان الخلاف حاصل عند تماثل الاجناس اما اذا اختلفت كبيع البقر بالغنم اوالابل بالثياب مثلاً فانه جائز عند جمهور العلماء ،

٭ ٭ ٭

 

باب 18

النهي عن بيع الصبرة

 

23. عن جابر ابن عبدالله قال نهى رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) عن بيع الصُبرة من التمر لاتعلم مكيلتها بالكيل المسمى من التمر، رواه مسلم 3829

المقصود بالصُبرة بضم الصاد: ماجمع من الطعام بلاكيل ولاوزن وهو ماتضمنه الحديث ، واعلم ان النهي هنا جارٍعلى اصلين الاول دخول الربا فيه لكون العوضين من الاجناس الربوية واستنبط العلماء من هذا الحديث قاعدة مهمة من قواعد الربا وهي ان الجهل بتساوي العوضين كالعلم بتفاضلهما ولذلك نهى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن هذا البيع .

والاصل الثاني : اندراج هذا البيع ضمن بيوع الغرر للجهل بالوصف المنضبط بالمبيع وهو مقداره ز

 

 

 

 

٭ ٭ ٭

باب 19

بيع الخيار

24. عن حكيم ابن حزام قال قال رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) البيّعان بالخيار مالم يتفرقا – اوقال :حتى يتفرقا - فأن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما وان كتما وكَذَبا محقت بركة بيعهما ، رواه البخاري 2079 ومسلم 3836 ،

الحديث اصل مهم من اصول البيع فقد تضمن اثبات الخيار لكل

من البائع والمشتري والمقصود بالخيار هنا اثبات حق امضاء عقد البيع اوفسخه لكل من المتبايعين لمسوغ شرعي ، وهواقسام كثيرة وله فروع واسماء مختلفة بحسب مذاهب العلماء وتفصيلها يخرج بنا عن الاختصار والسهولة[38]وهي على سبيل الاجمال سبعة اقسام[39]:

الاول : خيار المجلس وهو المراد في الحديث هنا ويقصد به

اثبات حق فسخ البيع لكل من المتبايعين مدة بقائهما في المجلس اوالمكان الذي تبايعا فيه وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) " مالم يتفرقا " أي ان بقاء هذا الخيار لكل منهما الى ان يفترقا فينتهي هذا الخيار ويثبت العـــــقد

حينئذٍ مالم يتصل بالعقد شروط اوخيارات اخرى . ويثبت هذا

الخيار في البيع والاجارة والصرف والسَلَم والصُلح[40]،

الثاني : خيار الشرطوهو ان يشترط احدهما اوكلاهما على شرط تعلق بمصلحة احدهما اومصلحة المبيع كاشتراط المشتري ان له الحق في فسخ العقد لمدة اسبوع مثلا اواشتراط البائع ان يكـــــون الثمن نقداً ،

الثالث خيار الغُبْن: وهو اذا غبن احد المتبايعين بالسعر اوكانت

السلعة مغشوشة ونحو ذلك . والراجح ثبوته لكل من المتبايعين

وان لم يتفقا عليه ،

الرابع: خيار التدليسوالتدليس مأخوذ من الدُلسة وهي الظلمة وهو صورة من صور الغش وذلك بان يخفي البائع حقيقة السلعة اما بان يظهرها على صورة خير مما هي عليه في الواقع اوان يخفي عيباً فيها ولايظهره للمشتري ، ومن امثلته تصرية الغنم ونحوه وسياتي بيان المسألة قريبا ان شاء الله تعالى .

الخامس خيار العيب وفرقه عن خيار التدليس من وجوه منها ان

التدليس اخفاء متعمد من قبل البائع اوالمشتري . والعيب غير متعمد اخفائه . ومنها ان التدليس لايقتصر على العيب كما اشير انفا وذلك بان يظهر السلعة بافضل مما هي عليه وان لم يكن فيها عيبٌ ، فتبين ان التدليس مندرج ضمن الغش . والعيب مندرج ضمن النقص من كمال السلعة. فضابط العيب المعتبر:

هوالوصف المؤثر في نقص قيمة السلعة[41]. وللمشتري الحق في

رد السلعة اواخذ الارش[42]المقابل للنقص الحاصل من العيب .

السادس خيار الاخبار بثمن السلعةويسمى احياناً خيار التخبير بالثمن . والمقصود ان يخبر البائعُ المشتريَ بالثمن الذي اشتراه فيقول هو عليَ بمئة الف مثلاً فيشتريه منه بناءً على قول البائع فان ظهر انه كذب عليه بان يكون قد اشتراه بتسعين مثلاً فللمشتري الحق في رد السلعة . وهذا الخيار يثبت في بيع المرابحة اوالتولية اوالشركة اوالمواضعة[43]. وينبغي في جميعها من معرفة سعر الشراء لثبوت هذا الخيار لالكونه لازما في ذاته.

السابع خيار اختلاف المتبايعين : وذلك كما لواختلفا في ثمن السلعة فان لم يرجع احدهما لقول الاخر فلكل واحد منهما حق الفسخ وكذلك لواختلفا في اوصاف المبيع باثبات اونفي اوزيـــــادة

اونقص وغير ذلك من وجوه الاختلاف الحاصلة بين المتبايعين .

وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) " فان صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما .." فيه ان الصدق في البيع مطلوب من الطرفين لامن البائع وحده كما قد يتوهم فان الثمن قد يكون من غير النقد مما يحتمل الغش اوالعيب ونحوذلك ممايؤثر على رغبة البائع في البيع .

 

٭ ٭ ٭


[1] السلسلة الصحيحة 1871

[2]رواه ابن ماجة 2275 وصححه الالباني .

[3] المغنى ج6 / ص54 ط عالم الكتب .

[4] الشرح الممتع 8/397 ط دار ابن الجوزي ،

[5] انظر على سبيل المثال كتاب بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة ج1/ 285 ط دار النفائس . وبحوث في الاقتصاد الاسلامي للشيخ عبدالله بن منيع ص 171- 215 ط المكتب الاسلامي .

[6] الموسوعة الفقيهة ج 32/ 205 . ومابعدها .

[7] الشرح الممتع 8/ 405 ط دار ابن الجوزي .

[8] بداية المجتهد 2 / 125 ط دار الفكر وقريب من هذا الكلام كذلك لابن عثيمين في الشرح الممتع 9/134 ط دار ابن الجوزي .

[9] أي ذات الشئ المراد بيعه .

[10] الموسوعة الفقهية ج 28 / ص 149 باختصار .

[11] شرح مسلم للنووي ج 10/ص 396 ط دار المعرفة .مختصراً .

[12] أي الكومة من الطعام مجهولة المقدار .

[13] هوبيع آجل بثمن عاجل وسيأتي زيادة بيان له ان شاء الله تعالى .

[14]عمدة القاري 11/ 394 ط دار الكتب العلمية .

[15] في كتاب البيوع رقم 3792 .

[16] شرح مسلم 10/398 ط دار المعرفة .

[17] أي البيع بالمزايدة .

[18] فتح الباري 5/ 607 ط دار طيبة .

[19]الموسوعة الفقهية ج 40 / 119 .

[20] رقم الحيث 3805

[21] عمدة القاري 11/ 369 ط دار الكتب العلمية . بتصرف واختصار يسير .

[22] وهو مايساوي كيلوغرامين واربعين غراماً .

[23] أي بالدين .

[24] الشرح الممتع ج 8 / ص 239 . ط دار ابن الجوزي ، والى مثل ذلك العلامة ابن باز رحمه الله في فتاواه ج 19/ ص 48 ومابعدها ط رئاسة ادارة البحوث العلمية والافتاء

[25] كما في تحفة الاحوذي 4/ 493 ط دار احياء التراث وبذل المجهود 11/223 ط دار البشائر .

[26] تهذيب السنن بحاشية عون المعبود 9/ 406 ط المكتبة السلفية . باختصار

[27] أي الشئ المعين بذاته لابمجرد الوصف والفرق ان بيع المعين مطلوب بذاته دون غيره كسيارة بعينها لاغيرها ولو كانت من نفس الطراز. وبيع الموصوف – وهو السَلَم - كبيع سيارة من طراز معين دون تعيين واحدة من ذلك الطراز ،

[28] عمدة القاري 12/ 89 ط دار الكتب العلمية .

[29] هو غير بيع المرابحة الذي سيأتي ذكره ان شاء الله.

[30] وانظر ماذكره السالوس في كتابه الاقتصاد الاسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة ص735

[31] كماورد في قرارمجلس مجمع الفقه الاسلامي رقم 302

[32] ينظر القبس شرح موطأ مالك ابن انس ضمن شروح الموطأ ج 17/ ص 182

[33] زاد المعاد 3 / 388 ط مؤسسة الرسالة السابعة والعشرون . باختصار .

[34] أي النسيئة .

[35] وهذه قاعدة مهمة جدا في باب المعاملات المالية اوالتجارية لمعرفة مايجوز استثنائه من النواهي الشرعية المتعلقة بذلك . وانظر كذلك الشرح الممتع 8/420 .

[36] سياتي بيانها قريبا باذن الله تعالى .

[37] تهذيب السنن بحاشية عون المعبود 9/ 210 ط المكتبة السلفية .

[38] للزيادة والتفصيل مراجعة الموسوعة الفقهية ج 20/ ص 41 ومابعدها .

[39] الشرح الممتع 8 /261 ط داربن الجوزي . والشرح الكبير مع الانصاف 11/263 ومابعدها ط هجر .

[40] الصلح انواع منها ان يقر شخص لآخر ان له في ذمته مئة كيلو من التمر مثلاً فيصالحه على ان يعطيه مبلغاً من المال بدل التمر .

[41] الفرق بين الثمن والقيمة هو ان الثمن مادفع من المال عوضاً عن السلعة المشتراة فعلاً . اما القيمة فهي ماتُقوّم به تلك السلعة في عرف السوق فقد تكون اقل من الثمن الذي بيعت به فعلاً اواقل .

[42] الارش هو المال الواجب في الجناية على مادون النفس (الموسوعة الفقهية 3/104 ) فيشمل هنا التعويض الحاصل من الضررالمترتب على شراء السلعة المعيبة .

[43] المراد ببيع المرابحة هنا البيع براس المال مع ربح معلوم .وله معنى اخرمر بيانه في باب السلم . والتولية البيع بنفس سعر الشراء . والشركة بيع قسم من السلعة . والمواضعة البيع باقل من سعر الشراء ( أي بخسارة ) ، 

...

 

Copyright © 2013 All rights reserved.

Flag Counter