السلام عليكم ورحمة الله

اصل هذا البحث رسالة ماجستير مقدمة من قبل الطالب

ابو بكر محمد المختار النيجيري

لنيل درجة الماجستير في الفقه واصوله

الى جامعة العلوم الاسلامية العالمية

 

في عمان - الاردن

بسم الله الرحمن الرحيم

 1 ـ المقدمة

   إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرورأنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلم تجد له وليًّا مرشدًا. قال الله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة: 269]. وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة: 2 - 4].

   والصلاة والسلام على نبيّنا محمد خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، الذي قال ربنا سبحانه وتعالى له: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا } [النساء: 113]. بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا ييزيغ عنها إلا هالك. وهو القائل صلى الله عليه وسلم، «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»([1]). والقائل «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا»([2]).

   وبعد:

    فإن أفضل العلم هو العلم بالقرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو حبل الله المتين فيه نبأ من بعدنا وخبر من قبلنا وحكم ما بيننا، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى العز بغيره أضله الله، من أعرض عنه فإن له معيشة ضنكًا ويُحشر يوم القيامة أعمى.

  والعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي في المرتبة الثانية؛ لأنها هي الموضّحة المفسرة للقرآن الكريم، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].

  وخير الفقه هو التفقه في دين الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»([3]). وقال أيضًا: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ، كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ المَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الكَلَأَ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ، أَمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ»([4]).

   ومن هنا كان معرفة المسائل الفقهية التي بُنيت على الأحاديث الضعيفة، والتمييز بينها وبين ما بناه الفقهاء على الأحاديث الصحيحة، من أولى ما صرفت الهمم له؛ لأنه توضيحٌ لأ صوب الطرق لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الصدرالأول وما تلاه من العصور المفضلة. ولأن عمل المسلمين بأحكام الفقه والدين على وجه الصواب ـ كما كان عليه السلف الصالح ـ هو عز هذه الأمة وصلاحها.

  وسعيًا إلى ما أشرت إليه، أقدم إلى قسم الفقه وأصوله بكلية الشيخ نوح القضاة للشريعة والقانون، في جامعة العلوم الإسلامية العالمية، موضوعًا، سمّيته:

 

 

 

مسائل فقهية بُنيت على الأحاديث الضعيفة في المذهب المالكي

جمعًا ودراسةً ـ (قسم العبادات أنموذجًا)

2 ـ أسباب اختيار الموضوع:

      يرجع أسباب اختياري لهذا الموضوع إلى عدة أسباب، وأهمها مايلي:

أ ـ كوني من بلاد غرب إفريقيا التي يعتنق أكثر أهلها بالمذهب المالكي.

ب ـ أكثر كتب المالكية المتداولة بأيدينا في بلادي (نيجيريا) مجردة عن الأدلة.

ج ـ الحرص على التمييز بين ما بناه الفقهاء على دليل صحيح وما بُبي على دليل ضعيف من الأحكام الفقهية.

د ـ كثرة الاستدلال بالأحاديث الضعيفة في كثير من المسائل الفقهية مع وجود دليل صحيح مؤيد أو معارض.

هـ ـ أن المسألة قد تبنى على حديث ضعيف فيكون لها دليل آخر صحيح، فيظن من لاعلم له بهذا الدليل، أن لا دليل يصلح للاحتجاج على المسألة.

3 ـ مشكلة الدراسة:

      سأحاول في هذه الدراسة أن أجيب على الأسئلة الآتية:

أ ـ ماهوالحديث الضعيف وهل يحتج به؟ وماالذي يحتج به وما لا يحتج به من الأحاديث؟

ب ـ هل كون سند الحديث ضعيفًا يلزم منه أن يكون معناه ضعيفًا؟

ج ـ ماهي أصول المذهب المالكي؟ وهل يحتجون بالحديث الضعييف؟

د ـ هل كون المسألة مبنية على حديث ضعيف يدل على بطلان حكمها؟ أو قد يكون لها دليل آخر صحيح؟

هـ ـ ماهي المسائل الفقهية التي بُنيت على الأحاديث الضعيفة في المذهب المالكي؟

و ـ هل هذه المسائل كثيرة أو هي قليلة جدًا إذا قورنت بالمسائل التي بُنيت على الأدلة الصحييحة؟

4 ـ أهمية الدراسة:

      تتلخص أهمية هذه الدراسة فيما يأتي :

أ ـ وضع كتاب مستقل يجمع المسائل الفقهية المبنية على الأحاديث الضعيفة في المذهب المالكي.

ب ـ إظهار مكانة المذهب المالكي في الفقه الإسلامي.

ج ـ تشجيع طلبة الفقه الإسلامي على الاعتماد على الأدلة الصحيحة دون الضعيفة.

د ـ تساعد هذه الدراسة على التعرف على حكم كثير من المسائل التي يشك القارئ في صحة أدلتها أوضعفها.

هـ ـ كون هذه الدراسة تتعلق بأكثر أبواب الفقه في المذهب المالكي.

5 ـ أهداف الدراسة:

       تتلخص أهداف هذه الدراسة في النقاط الآتية :

أ ـ التعرف على الأحاديث الضعيفة التي استدل بها علماء المذهب المالكي في بعض المسائل الفقهية.

ب ـ معرفة أن هذه المسائل قليلة جدًا، إذا قورنت بالمسائل الفقهية التي بُنيت على الأدلة الصحيحة في المذهب المالكي.

ج ـ أن الحديث قد يكون سنده ضعيفًا فيكون معناه صحيحًا كما سيتبين من خلال البحث.

د - جمع المسائل التي بُنيت على الأحاديث الضعيفة في المذهب المالكي في كتاب مستقل ودراستها دراسة فقهية مقارنة.

هـ ـ أن يُعرَف أن كثيرًا من المسائل التي بُنيت على أحاديث ضعيفة لها أدلة أخرى صحيحة، إما نص أو صحيح إجماع.

و ـ التعرف على أصول مذهب مالك رحمه الله تعالى وأدلته.

6 ـ المنهج المتبع في البحث

   يقوم هذاالبحث على اتباع المنهجين لتحقيق الأهداف المقصودة، وهما كالآتي :

 أ ـ المنهج الاستقرائي:وذلك بتتبع المسائل الفقهية التي بُنيت على الأحاديث الضعيفة في المذهب المالكي وجمعها، من خلال كتب المالكية التي تعتني بالأدلة، كالمعونة للقاضي عبد الوهاب البغدادي، والذخيرة للقرافي، وبداية المجتهد لابن رشد الحفيد، وغيرها، وأقصر على المسائل التي بُنيت على الأحاديث المرفوعة، التي حكم عليها أئمة الحديث بالضعف، دون التي بُنيت على الأحاديث الموقوفة.

ب ـ المنهج التحليلي: وذلك بتحليل هذه المسائل وأدلتها، ودراستها دراسة فقهية مقارنة، وسأراعي الأمورالآتية:

ـ ترتيب المسائل حسب أبواب الفقه في المذهب المالكي.

ـ ترقيم الآيات القرآنية و بيان مكانها من سور القرآن الكريم.

ـ تخريج الأحاديث النبوية والآثار من مصادرها الأصلية، و بيان درجتها من الصحة أو الضعف، من كتب التخريج المعتمدة.

ـ عزو الأقوال إلى أصحابها وتوثيقها من مصادرها.

ـ توثيق المعلومات والنقول من الكتب المعتمدة.

ـ شرح معاني الكلمات الغريبة. وترجمة الأعلام غير المشهورين.

7 ـ الدراسات السابقة

     إن موضوع "مسائل فقهية بُنيت على الأحاديث الضعيفة في المذهب المالكي" لم يجد الباحث من بحث فيه بشكل مستقل. ولكن هناك دراسات قامت بتحقيق بعض الكتب المالكية التي تعتني بالأدلة. ودراسات أخرى ذات صلة بالموضوع. وأبرزها :

أ ـ رسالة دكتوراه في تحقيق كتاب المعونة في فقه عالم المدينة تأليف القاضي عبد الوهاب البغدادي . للدكتور حميش عبد الحق من جامعة أم القرى.

   وقد أجاد في إخراج نص الكتاب وتخريج الأحاديث الواردة فيه. ولكن فاته بيان حكم كثير من الأحاديث التي يحتمل أن تكون ضعيفة أو صحيحة.

ب ـ تحقيق كتاببداية المجتهد ونهاية المقتصد تأليف ابن رشد الحفيد . للشيخ علي محمد معوض والشيخ عادل أحمد عبد الموجود.

   وقد قاما بإخراج نص الكتاب وتخريج الأحاديث الواردة فيه وبيان حكم كثيرٍ منها من حيث الصحة أو الضعف.

ج ـ وقد سبق أن ألّف الشيخ حبيب بن طاهر كتابا سماه:الفقه المالكي وأدلته . وقد أورد أدلة كثير من المسائل الفقهية في المذهب المالكي. ولكن فاته بيان درجة الأحاديث التي أوردها في كتابه من حيث الصحة والضعف.

د ـ رسالة دكتوراه بعنوان أحكام فقهية خالف فيها المالكية الأحاديث الصحيحة والجواب عنها للدكتور عدنان عبد الله زهار.

تتلخص دراسته في النقاط الآتية:

أ ـ جمع الأحاديث الصحيحة التي ثبت أن السادة المالكية قالوا في اختياراتهم الفقهية بخلافها.

ب ـ بيان دلالات هذه الأحاديث كما قرره العلماء غيرهم أو منهم أحيانا.

ج ـ استعراض قول المالكية ورأيهم المخالف للخبر الوارد.

د ـ مناقشة حججهم وأدلتهم من خلال أصولهم النقلية وطرقهم العقلية.

هـ ـ بيان الراجح منها من المرجوح والقوي من الضعيف والشاذ من المشهور.

وأما بحثي في هذه الرسالة: يتلخص في النقاط الآتية :

أ ـ جمع المسائل الفقهية التي بناها المالكية على الأحاديث الضعيفة.

ب ـ بيان من ضعف أسانيد هذه الأحاديث مع ذكر علة تضعيفها.

ج ـ إيراد أدلة أخرى صحيحة للمسألة إن وجدت.

د ـ إن لم يكن للمسألة دليل آخر صحيح ، أتيت بدليل صحيح يعارضه إن وجد.

هـ ـ دراسة المسائل دراسة فقهية مقارنة، مع بيان الراجح من أقوال الفقهاء ومناقشة أدلة القول المرجوح.

8 ـ خطة البحث:

تشتمل خطة البحث على مقدمة، وفصلين، وستة مباحث، وتحت كل مبحث عدة مطالب، وتحت كل مطلب مسائل، ثم خاتمة، وقائمة المصادر، وفهارس:

الفصل الأول:المذهب المالكي وبيان ما يُحتج به وما لا يحتج به من الأحاديث. وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: مذهب الإمام مالك. وفيه مطلبان: المطلب الأول: ترجمة الإمام مالك رحمه الله. والمطلب الثاني: نمو مذهب مالك وانتشاره.

والمبحث الثاني: أصول المذهب المالكي. وفيه عشرة مطالب: المطلب الأول: القرآن الكريم. والمطلب الثاني: السنة. والمطلب الثالث: الإجماع. والمطلب الرابع: القياس. والمطلب الخامس: عمل أهل المدينة. والمطلب السادس: قول الصحابي. والمطلب السابع: الاستحسان. والمطلب الثامن: سد الذرائع. والمطلب التاسع: الاستصحاب. والمطلب العاشر: المصالح المرسلة.

والمبحث الثالث: ما يحتج به من الأحاديث وما لا يحتج به. وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: المتواتر والآحاد. والمطلب الثاني: أنواع الآحاد. والمطلب الثالث: الاحتجاج بالمرسل. والمطلب الرابع: ضعيف الإسناد صحيح المعنى.

والفصل الثاني: دراسة المسائل الفقهية. وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: الطهارة. وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: الاستنجاء وإزالة النجاسة والمياه،وتحته ثلاث مسائل. والمطلب الثاني: الوضوء،وتحته أربع مسائل.والمطلب الثالث: المسح على الخفين والتيمم،وتحته خمس مسائل.والمطلب الرابع: الجنابة والحيض، وتحته ثلاث مسائل.

والمبحث الثاني:الصلاة والجنائز: وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: مندوبات الصلاة وسجود التلاوة. وتحته ثلاث مسائل. والمطلب الثاني: مبطلات الصلاة.، وتحته مسألتان. والمطلب الثالث: صلاة الجمعة والعيدين والاستسقاء، وتحته ثلاث مسائل، والمطلب الرابع: أحكام الجنائز، وتحته أربع مسائل.

والمبحث الثالث:أحكام الزكاة والصوم والحج. وتحته ثلاثة مطالب: المطلب الأول: أحكامالزكاة، وتحته أربعمسائل، والمطلب الثاني: أحكام الصوم،وتحته أربع مسائل. والمطلب الثالث: أحكام الحج،وتحته ثلاث مسائل.

الخاتمة: أذكر فيها أهم نتائج البحث والتوصيات. ثم ذكر أهم المصادر والمراجع. والفهارس.

 

 

 


الفصل الأول: المذهب المالكي وبيان ما يُحتج به وما لا يُحتج به من الأحاديث

وفيه ثلاثة مباحث:

 

المبحث الأول: الإمام مالك وانتشار مذهبه.

 

المبحث الثاني: أصول المذهب المالكي.

 

المبحث الثالث: ما يحتج به من الأحاديث وما لا يحتج به.

 

المبحث الأول: مذهب الإمام مالك.

وفيه مطلبان:

 

المطلب الأول: ترجمة الإمام مالك رحمه الله.

 

المطلب الثاني: نمو مذهب مالك وانتشاره.

 

المبحث الثاني: أصول المذهب المالكي.

وفيه عشرة مطالب:

 

المطلب الأول: القرآن الكريم.

المطلب الثاني: السنة.

المطلب الثالث: الإجماع.

المطلب الرابع: القياس.

المطلب الخامس: عمل أهل المدينة.

المطلب السادس: قول الصحابي.

المطلب السابع: الاستحسان.

المطلب الثامن: سد الذرائع.

المطلب التاسع: الاستصحاب.

المطلب العاشر: المصالح المرسلة.

 

 

 

 

المبحث الثالث: ما يحتج به من الأحاديث وما لا يحتج به.

وفيه أربعة مطالب:

 

المطلب الأول: المتواتر والآحاد.

 

المطلب الثاني: أنواع الآحاد.

 

المطلب الثالث: الاحتجاج بالمرسل.

 

المطلب الرابع: ضعيف الإسناد صحيح المعنى.

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول: مذهب الإمام مالك.

 

المطلب الأول : ترجمة الإمام مالك رحمه الله تعالى.

اسمه ونسبه([5]):

هو شيخ الإسلام حجة الأمة إمام دارالهجرة أحد الأئمة الأعلام، مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن الحارث بن غميان بن جثيل بن عمرو بن الحارث أبو عبد الله الأصبحي التيمي القرشي المدني من ذي أصبح.

مولده ونشأته([6]):

فالأشهرأن مولد مالك رحمه الله تعالى، كان سنة 93هـ، سنة وفاة أنس بن مالك رضي الله عنه، في خلافة سليمان بن عبد الملك بن مروان، بذي المروة بالقرب من المدينة المنورة، وحملت به أمه ثلاث سنين وقيل سنتين. ثم رحل به أبواه وهو لم يزل رضيعًا من ذي المروة إلى وادي العقيق على بعد ميلين من المدينة. ونشأ فيها وتلقى العلم على مشايخها وفقهائها. ولم يرحل منها إلى غيرها. وجده مالك بن أبي عامر تابعي كبير روى الكثير عن الصحابة. فحفظ القرآن الكريم في صدر حياته، ثم اتجه إلى حفظ الحديث، وجالس العلماء ناشئًا صغيرًا، وهو مدني المولد والنشأة.

 

طلبه العلم([7]):

بدأ الإمام مالك طلب العلم منذ نعومة أظافره، فأقبل على العلم واجتهد في طلبه وجمعه وهو ابن بضع عشرة سنة ، وكانت أمه تعممه وتقول له: اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه. وصرف في ذلك كل وقته وماله حتى نقض سقف بيته وباع خشبه لينفق منه، وكان يقول: :ليس الزهد فقد المال وإنما الزهد فراغ القلب عنه"، وانقطع إلى ابن هرمز سبع سنين. وكان يقول: "ليس العلم بكثرة الرواية، وإنما هو نور يضعه الله في القلب".

وكان تعلمه في المدينة المنورة ولم يرحل منها إلى غيرها. وكان مالك حين طلبه يتبع ظلال الشجر ليتفرغ لما يريد. فقالت أخته لأبيه هذا أخي لا يأوي مع الناس قال يا بنية، إنه يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان يتحرى فيمن يأخذ عنهم وكان يقول: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه، لقد أدركت سبعين ممن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده هذه الأساطين، وأشار إلى المسجد، فما أخذت عنهم شيئاً، وإن أحدهم لو ائتمن على بيت مالٍ لكان أميناً إلا أنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن".

وقال رحمه الله: "لا يؤخذ العلم عن أربعة: سفيه يعلن السفه، وإن كان أروى الناس، وصاحب بدعة يدعو إلى هواه، ومن يكذب في حديث الناس، وإن كنت لا أتهمه في الحديث، وصالح عابد فاضل، إذا كان لا يحفظ ما يحدث به".

وهكذا مالك رحمه الله اجتهد منذ صغره في العلم والحديث، ولزم جماعة من العلماء والمحدثين، واجتهد في الأخذ في الحديث والفقه والرأي وغير ذلك، وقد شهد له جماعة بصحة الرأي.

 

شيوخه([8]):

بلغ شيوخ الإمام مالك تسعمائة شيخ: ثلاثمائة من التابعين، وستمائة من تابعيهم، ممن توافرت فيهم شروط الرواية، واختارهم الإمام مالك وارتضاهم لدينه، من مشايخ المدينة وفقهائها. ومن أشهرهم:

1ـ ربيعة بن عبد الرحمن، المشهور بربيعة الرأي، المتوفى سنة 136 هـ. وقال فيه القاسم بن محمد: لو تمنيت أحدًا تلده أمي لتمنيت ربيعة.

2ـ ابن هرمز، عبد الله بن يزيد، المشهور بابن هرمز، المتوفى: 230هـ، انقطع إليه مالك سبع سنين.

3ـ ابن شهاب الزهري، محمد بن شهاب، المشهور بابن شهاب الزهري، رأس المدونين للحديث، المتوفي سنة 124 هـ .

4ـ أبوعبد الله الديلمي، نافع مولى ابن عمر رضي الله عنه، المتوفى: 117هـ، وقيل: 119هـ. ونقل عن ابن عمر علمًا كثيرًا وخدم ابن عمر ثلاثين سنة.

5ـ جعفر الصادق، المتوفى سنة 148 هـ ، من سادات أهل البيت وعلماء أهل المدينة، وكان مالك يقول عنه: "اسمعوا من الشريف وعنه خذوا".

6ـ محمد بن المنكدر التميمي، المتوفى: 130هـ، من كبار فقهاء المدينة ومحدثيها، كان زاهدًا عابدًا متقدمًا في العلم والعمل. وكان يقول: "كابدت نفسي أربعين عامًا حتى استقامت".

7ـ وعبد الله بن ذكوان الملقب بأبي الزناد المتوفى سنة 131 هـ.

وأخذ العلم عن غيرهم أيضًا، مثل عمرو بن دينار، زيد بن أسلم، وسعيد المقبري، وعبد الله بن دينار، وصالح بن كيسان، رحمهم الله تعالى.

 

تلاميذه([9]):

نقل العلم عن الإمام مالك رحمه الله عددٌ كبيرٌ من تلاميذه الذين تأثروا به وحفظوا علمه ونشروه للناس، ومن أشهرهم:

عبد الرحمن بن القاسم، وهو الذي روى سحنون بن سعيد المدونة عنه. وعبد الله بن المبارك، كان فقيهًا عالمًا زاهدًا. ومطرف بن عبد الله بن مطرف، صحب مالكًا سبع عشرة سنة. والمغيرة بن عبد الرحمن المخزومي، فقيه أهل المدينة بعد مالك. والإمام الشافعي محمد بن إدريس، أحد الأئمة الأعلام. وعبد الله بن وهب، صحب مالكًا عشرين سنة. وابن الماجشون، مفتي المدينة في زمانه. وغيرهم، كابن جريج، وسفيان الثوري، وابن المبارك، وابن عيينة، وعبد الرحمن بن مهدي، والأوزاعي، رحم الله الجميع.

مكانته العلمية([10]):

نال الإمام مالك رحمه الله تعالى شهرة ذائعة في أرجاء العالم الإسلامي، وأصبح فقيهًا وإمامًا، حيث أجمع الناس على إمامته ورتبته في الفقه والحديث. وكتابه "الموطأ" كتاب جليل في الحديث والفقه.

وطلب مالك رحمه الله العلم وهو ابن بضع عشرة سنة، وتأهل للفتيا، وجلس للإفادة، وله إحدى وعشرون سنة، وحدث عنه جماعة وهو حي شاب طري، وقصده طلبة العلم من الآفاق في آخر دولة أبي جعفر المنصور، وما بعد ذلك، وازدحموا عليه في خلافة الرشيد، وإلى أن توفي رحمه الله.

وكتب بيده مائة ألف حديث، وجلس للدرس وهو ابن سبعة عشر عامًا، وصارت حلقته أكبر من حلقة مشايخه في حياتهم، وكان الناس يزدحمون على بابه لأخذ الحديث والفقه كازدحامهم على باب السلطان، وله حاجب يأذن أولاً للخاصة فإذا فرغوا أذن للعامة، وإذا جلس للفقه جلس كيف كان، وإذا أراد الجلوس للحديث اغتسل وتطيب ولبس ثيابًا جددًا وتعمم وقعد على منصته بخشوع وخضوع ووقار، ويبخر المجلس بالعود من أوله إلى فراغه تعظيمًا للحديث، حتى بلغ من تعظيمه له أنه لدغته عقرب وهو يحدث ست عشرة مرة فصار يصفر ويتلوى حتى تم المجلس ولم يقطع كلامه.

وقد عرف في درسه بالوقار والسكينة، والابتعاد عن لغو الكلام. وكان يقول: "حق على من طلب العلم أن يكون فيه وقار وسكينة وخشية". ويقول أيضًا: "من آداب العالم ألا يضحك إلا تبسمًا".

وكان مجلسه مجلس وقار وعلم، وكان رجلاً مهيبًا نبيلاً، ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط، ولا رفع الصوت، وإذا سئل عن شيء فأجاب سائله لم يقل له: من أين هذا؟ وكانت الوفود التي تفد إلى المدينة لزيارة المسجد تتزاحم عند بابه لتستفتيه؛ فكان يأذن لكل جماعة بعد جماعة لكثرتهم".

قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال سمعت الشافعي يقول قال لي محمد بن الحسن: أيهما أعلم صاحبنا أم صاحبكم؟ ـ يعني أبا حنيفة ومالك بن أنس ـ قلت: على الانصاف؟ قال: نعم. قلت: فأنشدك الله من أعلم بالقرآن - صاحبنا أو صاحبكم؟ قال: صاحبكم - يعنى مالكًا. قلت: فمن أعلم بالسُّنة - صاحبنا أو صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم، قلت: فأنشدك الله، من أعلم بأقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمتقدمين، صاحبنا أو صاحبكم؟ قال: صاحبكم، قال الشافعي: فقلت: لم يبق إلا القياس، والقياس لا يكون إلا على هذه الأشياء فمن لم يعرف الأصول فعلى أي شئ يقيس؟"([11]).

 

 

ثناء العلماء عليه([12]):

هو إمام دار الهجرة، شيخ الإسلام، حجة الأمة، أحد أعلام الإسلام، أعرف مِن أن يعرَّف به، واسمه قد طبق الأرض.

قال عبد الرحمن بن مهدي: "أئمة الحديث الذين يقتدي بهم أربعة: سفيان الثوري بالكوفة، ومالك بالحجاز، والأوزاعي بالشام، وحماد بن زيد بالبصرة".

وقال أيضًا: "ما رأيت أحدًا أعقل من مالك". ووازن بين الثوري والأوزاعي ومالك فقال: "الثوري إمام في الحديث، وليس بإمام في السنة، والأوزاعي إمام في السنة، وليس بإمام في الحديث، ومالك إمام فيهما".

و قال عنه الشافعي رحمه الله : "مالك أستاذي، وعنه أخذت العلم وهو الحجة بيني وبين الله تعالى، وما أحد أمنّ علي من مالك، وإذا ذكر العلماء فمالك النجم الثاقب".

وقال أيضًا: "لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز".

وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: "مالك أثبت في كل شيء".

و قال ابن المبارك رحمه الله: "لو قيل لي اختر للأمة إماماً، اخترت لها مالكاً".

وروي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الإِبِلِ([13]) يَطْلُبُونَ العِلْمَ فَلَا يَجِدُونَ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ المَدِينَةِ»([14]).

فالمراد بعالم المدينة في الحديث المذكور، هو الإمام مالك رحمه الله؛ لأنه لم يعرف أن أحداً ضربت إليه أكباد الإبل مثل ما ضربت إلى مالك بن أنسرحمه الله([15]). وبه قال سفيان بن عيينة وعبد الرزاق رحمهما الله([16]).

ويروى عن ابن عيينة رحمه الله، قال: "كنت أقول: هو سعيد بن المسيب، حتى قلت: كان في زمانه سليمان بن يسار، وسالم بن عبد الله، وغيرهما. ثم أصبحت اليوم أقول: إنه مالك، لم يبق له نظير بالمدينة"([17]).

ومن مناقبه الجليلة: أن امرأة غسلت امرأة بالمدينة في زمنه - رضي الله عنه - فوضعت الغاسلة يدها علي فرج الميتة، وقالت: طال ما عصى هذا الفرج ربه، فألتصقت يد الغاسلة في فرجها، فسألوا

علماء المدينة عن أمرها، فبعضهم قال: تقطع يد الغاسلة، وبعض آخر قال: يشق فرج الميتة، وبعض آخر تحير في أمرها، فاستفتي الإمام مالك فقالوا: اسألوا الغاسلة ما قالت في حق الميتة لما وضعت يدها على فرجها؟ فسألوها فقالت: طالما عصى هذا الفرج، فقال مالك: هذا قذف اجلدوها ثمانين جلدة تتخلص يدها، فجلدوها فتخلصت يدها فمن ثم قيل: لا يفتي أحدٌ ومالك في المدينة([18]).

وقال عبد الرحمن ابن مهدي رحمه الله: "ما رأت عيناي أحداً أهيب من هيبة مالك ولا أتم عقلاً ولا أشد تقوى ولا أوفر دماغاً من مالك"([19]).

 

وكان مالك رحمه الله يقول: "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فما وافق السنة فخذوا به، وما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه"([20]).

مالك والفتوى([21]):

جلس الإمام مالك رحمه الله للناس وهو ابن سبع عشرة سنة، وعرفت له الإمامة، وأفتى في حياة شيخيه نافع وزيد بن أسلم رحمهما الله.

وتصدر للإفتاء بعد أهليته له, قال رحمه الله: "ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للحديث والفتيا جلس، حتى يشاور فيه أهل الصلاح والفضل وأهل الجهة من المسجد، فإن رأوه لذلك أهلاً جلس، وما جلست للإفتاء حتى شهد لي سبعون شيخاً من أهل العلم أني موضع لذلك".

وقال أيضًا: "ما أفتيت حتى سألت من هو أعلم منّي، هل تراني موضعًا لذك؟ سألت ربيعة، وسألت يحيى بن سعيد، فأمراني بذلك، قيل له: يا أبا عبد الله، فلو نهوك؟ قال: كنت أنتهي، لا ينبغي للرجل أن يرى نفسه أهلاً لشيء حتى يسأل من هو أعلم منه".

 

 

 

 

وفاته([22]):

مرض الإمام مالك رحمه الله تعالى، يوم الأحد فأقام مريضًا اثنين وعشرين يومًا، وكانت وفاته صبيحة يوم الأحد أربع عشرة من شهر ربيع الأول، سنة مائة وتسع وسبعين (179هـ)، في عهد الخليفة هارون الرشيد، بالمدينة المنورة،. وتشهَّد عند وفاته رحمه الله ثم قال: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4]. فصلى عليه عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن علي بن عبد الله بن عباس، ودفن بالبقيع، وله أربع وثمانون سنة، وقيل خمس وثمانون سنة، وقيل تسعون سنة. وأقام مفتيًا بالمدينة بين أظهرهم ستين سنة.

 

 

 

 

المطلب الثاني : نمو مذهب مالك وانتشاره.

اعلم أن مذهب مالك رحمه الله من أقدم المذاهب الأربعة، وقد كان مذهبه في زمن أبي حنيفة رحمه الله، ومذهب مالك قد شاع وذاع، وطبق الدنيا وانتشر فيها، فقل بلد من بلاد الإسلام إلا وقد دخلها. فقد كانت له السيطرة الكاملة في بعض البلدان، كما له تمثيل في البعض الآخر.

ولعل ذلك كان بسبب السمعة الطيبة التي اشتهرت بها مالك رحمه الله، الأمر الذي جعل الطلاب يفدون إليه من كل مكانٍ، لينهلوا من علمه وينشروه بعد ذلك في بلدانهم، فكان قد رحل إليه طلابُ من أطراف جزيرة العرب، وإفريقيا والأندلس والشام والعراق ومصر وما وراء بلاد فارس، كخراسان وسمرقند وغيرها([23]).

قال الذهبي رحمه الله: " ومذهبه قد ملأ المغرب والأندلس، وكثيرًا من بلاد مصر، وبعض الشام، واليمن، والسودان، وبالبصرة، وبغداد، والكوفة، وبعض خراسان"([24]).

ومن تلاميذ مالك رحمه الله الذين قاموا بنشر مذهبه: عبد الله بن وهب الذي لازم مالكًا عشرين سنة، ونشر فقهه في مصر. وعبد الرحمن بن القاسم الذي له أثر بالغ في تدوين مذهبه. وأشهب بن عبد العزيز العامري وله مدونة روى فيها فقه مالك تسمى "مدونة أشهب" وأسد بن الفرات الذي نشأ بتونس ثم وصل إلى المشرق، فسمع من مالك موطأه وغيره، وعبد الله بن الماجشون الذي قرّبه مالك رحمه الله([25]).

وممن نشر المذهب المالكي سحنون الذي راسل مالكًا، وسمع من ابن القاسم وابن وهب وابن الماجشون، تزود من العلم بمصر ثم عاد إلى المغرب وصنف المدونة المشهورة في فقه مالك. وعبد الملك بن حبيب وهو من الأندلس أخذ عن كثير من أصحاب مالك وعاد بعد ذلك إلى الأندلس فقيهًا محدثًا([26]).

وقد ذكر القاضي عياض رحمه الله البلاد التي انتشر فيها المذهب المالكي، فقال: "فغلب مذهب مالك على: الحجاز والبصرة ومصر وما والاها من بلاد إفريقية والأندلس وصقلية والمغرب الأقصى إلى بلاد من أسلم من السودان إلى وقتنا هذا. وظهر ببغداد ظهورًا كثيرًا وضعف بهابعد أربعمائة سنة، وضعف بالبصرة بعد خمسمائة سنة، وغلب على بلاد خراسان، على قزوين وأبهر، وظهر بنيسابور، وكان بها أئمة ومدرسون"([27]) .

فقد كان للمذهب المالكي انتشار كبير، في أكثر دول إفريقيا حتى غلب عليها، و حتى لا يكاد يوجد فيها غير مذهب الإمام مالك رحمه الله، وليس فيها ذكر لغيره إلا القليل. ولا يزال المذهب المالكي منتشرًا ومعمولاً به في هذه الدول إلى عصرنا هذا، مثل: مورتانيا، وليبيا، وتونس، والمغرب، والجزائر، والسودان، ونيجيريا، وسنغال، ومالي، ونيجر، وغانا، وتشاد، وكاميرون، وبوركنافاسو، وغيرها. ومن عاش في هذه البلاد، سيرى ذلك جليًّا.

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثاني: أصول المذهب المالكي

وقد شهد العلماء الأعلام من المالكية وغيرهم بصحة أصول مذهب الإمام مالك وقوّتها. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية الحنبلي رحمه الله: "من تدبر أصول الإسلام وقواعد الشريعة وجد أصول مالك وأهل المدينة أصح الأصول والقواعد"([28]).

وإنما كانت هذه الأصول أصح وأسلم لكونها ترجع إلى طريقتين: أثر صحيح ورأي سليم. وهو ما أشار إليه مالك رحمه الله تعالى حين قال ـ وقد ذكر له الموطأ ـ "فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسسلم وقول الصحابة والتابعين ورأيي ، وقد تكلمت برأيي وعلى الاجتهاد ، وعلى ما أدركت عليه أهل العلم ببلدنا ، ولم أخرج من جملتهم إلى غيره"([29]).

والأصول التي بنى المالكية مذهبهم، هي: القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، والإجماع، والقياس، وعمل أهل المدينة، وقول الصحابي، والاستحسان، وسد الذرائع، والعرف، والاستصحاب، والمصالح المرسلة([30]).

و هاك بيان هذه الأصول باختصارٍ، كالآتي:

 

 

 

 

المطلب الأول: القرآن الكريم.

القرآن في اللغة: مصدر بمعنى القراءة، ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18].

وأما اصطلاحًا: فهو كلام الله تعالى المنزل على رسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ المتعبد

بتلاوته، المعجز بلفظه ومعناه، المكتوب في المصاحف، المنقول إلينا نقلاً متواترًا([31]).

القرآن الكريم هو الأصل الأول من مصادر التشريع الإسلامي وأعظمها. قال الشاطبي رحمه الله: "إن الكتاب قد تقرر أنه كلية الشريعة، وعمدة الملة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، وأنه لا طريق إلى الله سواه، ولا نجاة بغيره، ولا تمسك بشيء يخالفه، وهذا كله لا يحتاج إلى تقرير واستدلال عليه؛ لأنه معلوم من دين الأمة"([32]).

ومالك رحمه الله كغيره من الأئمة يقدم القرآن على باقي الأدلة لمزيته وشرفه. وقد أشار إلى ذلك القاضي عياض حيث قال: "إذا نظرت لأول وهلة منازع هؤلاء وتقرير مآخذهم في الفقه والاجتهاد في الشرع ، وجدت مالكًا ـ رحمه الله ـ ناهجًا في هذه الأصول مناهجها ، مرتبًا لها مراتبها ومدارجها، مقدمًا كتاب الله ومرتبًا له على الآثار"([33]).

 

 

 

 

المطلب الثاني: السنة

السنة في اللغة: هي الطريقة المسلوكة، وقيل: هي الطريقة المعتادة، سواء كانت حسنة أو سيئة، كما في الحديث الصحيح: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ»([34]). وأما معناها شرعًا: قول النبي صلى الله عليه

وسلم وفعله وتقريره([35]).

والسنة هي الأصل الثاني من أصول الشريعة، وهي حجة؛ لدلالة المعجزة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر الله -سبحانه- بطاعته، وتحذيره من مخالفة أمره([36]).

مكانة الإمام مالك رحمه الله في الحديث روايةً ودرايةً، وكتابه الموطأ الذي كتب الله له البقاء والقبول، أكبر دليل على أنه جعل السنة النبوية مصدرًا من مصادر استنباط الأحكام الشرعية.

والسنة عند المالكية، هي المصدر الثاني من مصادر الشريعة، وأصل من أصول استنباط أحكامها، كما أنه هو مذهب أهل العلم قاطبةً، وعليه اتفق كل من يعتد به من أهل العلم، ولا خلاف بينهم على أن السنة المطّهرة مستقلة بتشريع الأحكام وأنها كالقرآن في تحليل الحلال وتحريم الحرام، إلا من شذّ ممن لا يعتد بقوله([37]).

قال الشوكاني رحمه الله: "والحاصل أن ثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية ولا يخالف في ذلك إلا من لا حظ له في دين الإسلام"([38]).

 

موقف المالكية من العمل بأخبارالآحاد

ومعنى خبرالواحد عند المالكية: هو خبر العدل أو العدول المفيد للظن"([39]). وهو الحديث الذي لم يبلغ حد التواتر، كما سيأتي بيان ذلك قريبًا إن شاء الله.

ذهب المالكية إلى أن خبر الواحد إذا استوفى شروط القبول وجب العمل به، والرجوع عند عدم دليل من الكتاب أو السنة المتواترة، وهو مقدم على القياس. وذالك لإجماع الصحابة والتابعين رضي الله عنهم على وجوب العمل بأخبارالآحاد، وتركهم في نظر أنفسهم متى بلغهم خبر ثقةٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد نقل عنهم الاستدلال بخبر الواحد كما نقل عنهم العمل به في الوقائع المختلفة وتكرر ذلك وشاع بينهم ولم ينكر عليهم أحد ذلك، وإذا وقع من بعضهم التردد في العمل به في بعض الأحوال، فذلك لأسباب خارجة عن كونه خبر واحد، من ريبة في الصحة أو تهمة للراوي أو وجود معارض راجح أو نحوذلك([40]).

قال ابن عبد البر رحمه الله: "وأصل مذهب مالك رحمه الله والذي عليه جماعة من أصحابنا المالكيين أن مرسل الثقة تجب به الحجة ويلزم به العمل كما يجب

بالمسند سواء، وأجمع أهل العلم من أهل الفقه والأثر في جميع الأمصار فيما علمت على قبول خبر الواحد العدل وإيجاب العمل به إذا ثبت ولم ينسخه غيره من أثر أو إجماع على هذا جميع الفقهاء في كل عصر من لدن الصحابة إلى يومنا هذا إلا الخوارج وطوائف من أهل البدع شرذمة لا تعد خلافًا"([41])

وأما مذهب المالكية خصوصًافقد يتوقفون في العملببعض الأخبار لمعارضتها قواعد كلية وأصولاً عندهم، أو ظاهر القرآن، أو عمل أهل المدينة.

 

1ـ معارضة الخبر للقواعد الكلية: قال الشاطبي رحمه الله: "قال ابن العربي: إذا جاء خبر الواحد معارضًا لقاعدة من قواعد الشرع هل يجوز العمل به أم لا؟ فقال أبو حنيفة: لا يجوز العمل به ، وقال الشافعي: يجوز، وتردد مالك في المسألة، وقال: ومشهور قوله والذي عليه المعول أن الحديث إن عضدته قاعدة أخرى قال به وإن كان وحده تركه"([42]).

2ـ معارضة الخبر لظاهر القرآن: المراد بظاهر القرآن عمومه: وهو دلالة اللفظ العام على العموم. والمالكية من القائلين بتخصيص القرآن بالسنة إلا أنهم إذا كان الخبر خاصًا، فإنهم اختلفوا في تخصيصه لعام القرآن بين مجوز ومانع.

قال الآمدي رحمه الله: "يجوز تخصيص عموم القرآن بالسنة ، أما إذا كانت السنة متواترة فلم أعرف فيه خلافا. وأما إذا كانت السنة من أخبار الآحاد فمذهب الأئمة الأربعة جوازه، ومن العلماء من منع ذلك مطلقًا ومنهم من فصّل"([43]).

وهذا يدل على أن مالكًا يقول بتخصيص السنة للقرآن ، وهو إعمال لهما معًا. إلا أنه مع ذلك يذهب أحيانًا إلى تعطيل العمل بالخبر إذا خالف ظاهر القرآن بدلاً من تخصيصه به.

ومن أمثلة ذلك:قوله بطهارة سؤر الكلب([44]) المخالف لحديث: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ، أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ»([45])لعموم قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: 4] ويقول : يؤكل صيده فكيف يكره لعابه([46]).

 

 

وكذلك قوله بعدم الصوم عن الميت([47]) المخالف لحديث: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ»([48]). لعموم قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39].

3ـ معارضة الخبر لعمل أهل المدينة: فالمالكية يقدمون عمل أهل المدينة على خبر الواحد فيما كان طريقه النقل الشرعي دون ما كان طريقه الاجتهاد باتفاق. وهو أنواع ثلاثة([49]):

أحدها: ما نقل من قول النبي صلى الله عليه وسلم كنقل الصاع والمد والأذان والإقامة والأوقاف والأحباس ونحو ذلك.

وثانيها : ما نقل من فعل كعهدة([50]) الرقيق.

وثالثها : ما نقل من إقرار كتركهم أخذ الزكاة من الخضروات ، مع أنها كانت تزرع بالمدينة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده لا يأخذون الزكاة منها.

قال القاضي عبد الوهاب: "وهذا النوع من إجماعهم حجة يلزم عندنا المصير إليه ، وترك الأخبار والمقاييس، لا اختلاف بين أصحابنا فيه"([51]).

وإنما اتفق فقهاء المالكية على العمل بهذا النوع من عمل أهل المدينة لأنه يعتبر في هذه الحالة في حكم المتواتر، فإن خالف خبر الواحد قدم عليه لأن العمل مفيد للعلم والخبر مفيد للظن ولا يقدم ظني على قطعي.

قال القاضي عبد الوهاب رحمه الله: "والذي يدل على ما نقلناهأنهم إذاأجمعواعلى شيءنقلاً أو عملاً متصلاً فإن ذلك الأمر معلوم بالنقل المتواتر الذي يحصل العلم به وينقطع العذر فيه، ويجب ترك أخبار الآحاد له، لأن المدينة بلدة جمعت من الصحابة من يقطع العلم بخبرهم فيما أجمعوا على نقله. فما كان هذا سبيله إذا ورد خبر واحد بخلافه كان حجة على ذلك الخبر وترك له، كما لو روي لنا خبر واحد فيما تواتر به نقل جميع الأمة، أي على خلافه، لوجب ترك الخبر للنقل المتواتر عن جميعهم"([52]).

ولا يخلو عمل أهل المدينة مع أخبار الآحاد من ثلاثة وجوه([53]):

الأول : أن يوافق خبر الواحد عمل أهل المدينة وكان هذا العمل منقولاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عضد العمل صحة الخبر. وأما إذا كان العمل طريقه الاجتهاد ، رجح العمل بالخبر.

الثاني : أن يخالف خبر الآحاد عمل أهل المدينة وكان هذا العمل منقولاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخذ بالعمل ورد الخبر. وأما إذا كان العمل طريقه الاجتهاد أخذ بالخبر ورد العمل.

الثالث : إذا لم يوجد لأهل المدينة عمل يوافق أو يخالف الخبر وجب الأخذ بالخبر.

المطلب الثالث: الإجماع

الإجماع لغة: العزم والاتفاق. وأما في الاصطلاح: فهو اتفاق مجتهدي أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في عصر من الأعصار على أمر من الأمور الشرعية([54]).

 

وهو أصل معتمد عند مالك. كما هو عند كل الأئمة إلا خلافًا شاذًا عن بعض المعتزلة والشيعة([55]).

والإجماع ينقسم إلى قطعي وظني([56]):

فالقطعي:هو ما تحقق فيه شرطان وهما: التصريح بالحكم من أهل الإجماع، ونقله إلينا بطريق متواتر.

والظني: ما اختل فيه أحد الشرطين: بأن يوجد القول من البعض والسكوت من الباقين، أو توجد شروطه لكن يُنقل إلينا بطريق الآحاد.

ويرى المالكية ـ كغيرهم ـ أن الإجماع القطعي مقدم على الكتاب والسنة والقياس؛ لأن الكتاب يقبل

النسخ والتأويل وكذلك السنة، والقياس يحتمل قيام الفارق وخفاءه الذي مع وجوده يبطل القياس وفوات

شرط من شروطه، والإجماع القطعي معصوم من هذا كله، وأما أنواع الإجماعات الظنية كالسكوتي ونحوه، فإن الكتاب قد يقدم عليه([57]).

 

 

 

 

 


([1])متفق عليه، رواه البخاري (1/31)، كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم، رقم (100). ومسلم (4/2058)، كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل، رقم (2673). من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.

([2])رواه مسلم (4/2060)، كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة، رقم (2674)، من حديث أبي هريرة.

([3])متفق عليه، رواه البخاري (1/25)، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، رقم(71). ومسلم (2/719)، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة، رقم(1037).

([4])رواه البخاري (1/27)، كتاب العلم، باب فضل من علم وعلّم، رقم(79).

 

 

([5])انظر: القاضي عياض، عياض بن موسى (المتوفى: 544هـ)، ترتيب المدارك وتقريب المسالك (1/104)، تحقيق ابن تاويت الطنجي، مطبعة فضالة - المحمدية، المغرب، الطبعة الأولى ـ 1965م. الذهبي، محمد بن أحمد (المتوفى : 748هـ). سير أعلام النبلاء (7/150)، تحقيق مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة ـ 1405 هـ. ابن حجر، أحمد بن علي (المتوفى: 852هـ)، تهذيب التهذيب (10/5)، مطبعة دائرة المعارف النظامية، الهند، الطبعة الطبعة الأولى، 1326هـ.

([6])انظر: القاضي عياض، ترتيب المدارك (1/154). الذهبي، سير أعلام النبلاء (7/150و154).العراقي، عبد الرحيم بن الحسين (المتوفى: 806هـ)، طرح التثريب في شرح التقريب (1/94)، دار إحياء التراث العربي.

 

([7])انظر: الذهبي، سير أعلام النبلائ (7/162). القاضي عياض، ترتيب المدارك (1/130ـ136). ابن المبرد، يوسف بن حسن (المتوفى: 909هـ) إرشاد السالك في مناقب مالك (ص: 147)، تحقيق الأذتاذ الدكتور رضوان مختار بن غربية، دار ابن حزم، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى ـ 1430هـ ـ 2009م. السفيري، المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (1/150).

 

([8])انظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء (7/150). البخاري، محمد بن إسماعيل (المتوفى: 256هـ)، التاريخ الكبير (7/310)، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد – الدكن. العراقي، طرح التثريب (1/94). ابن حجر، تهذيب التهذيب (10/5). القاضي عيلض، ترتيب المدارك (1/132).

([9])انظر: العراقي، طرح التثريب (1/94). ابن حجر، تهذيب التهذيب (10/6). الزرقاني، محمد بن عبد الباقي (المتوفى: 1122هـ)، شرحه على الموطأ (1/58)، تحقيق طه عبد الرءوف سعد، مكتبة الثقافة الدينية – القاهرة، الطبعة الأولى، 1424هـ - 2003م. القاضي عياض، ترتيب المدارك (3/3).

([10])انظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء (7/154). القاضي عياض، ترتيب المدارك (1/149). القطان، مناع بن خليل (المتوفى: 1420هـ)، تاريخ التشريع الإسلامي (ص: 148)، مكتبة وهبة، الطبعة الخامسة 1422هـ-2001م. الزرفاني، شرحه على الموطأ (1/53).

([11])ابن أبي حاتم، عبد الرحمن بن محمد (المتوفى: 327هـ)، الجرح والتعديل (1/4)، دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة الأولى، 1271هـ 1952م.

([12])انظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء (7/154). القاضي عياض، ترتيب المدارك (1/149). ابن المبرد، إرشاد السالك في مناقب مالك (ص: 191).

([13])ضرب أكباد الإبل: كناية عن السير السريع لأنَّ من أراد ذلك يركب الإبل، ويضرب على أكبادها بالرِجل، انظر: السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر (المتوفى: 911هـ)، قوت المغتذي على جامع الترمذي (2/668)، تحقيق ناصر بن محمد الغريبي، عام النشر: 1424 هـ. المباركفوري، تحفة الأحوذي (7/373).

([14])أخرجه الترمذي (5/47)، باب ما جاء في عالم المدينة، رقم (2680)، وقال: "هذا حديث حسن". وأحمد في المسند (13/358)، رقم (7980). والحاكم في المستدرك (1/168)، رقم (307). وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم". وابن حبان في صحيحه (9/53)، رقم (3736). والبيهقي، السنن الكبرى (1/567)، باب ما يستدل به على ترجيح قول أهل الحجاز وعملهم، رقم (1810). وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (10/383) برقم (4833)، لعنعنة ابن جريج وأبي الزبير وهما مدلسان.

([15])انظر: السفيري، محمد بن عمر (المتوفى: 956هـ)، المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (1/149)، تحقيق أحمد فتحي عبد الرحمن، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، 1425 هـ.

([16])انظر: الترمذي، في جامعه (5/47).

([17])الذهبي، سير أعلام النبلاء (7/ 155).

([18])السفيري، المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (1/150).

([19])القاضي عياض، ترتيب المدارك (1/127).

([20])المرجع السابق (1/182).

([21])انظر: القاضي عياض، ترتيب المدارك (1/140). ابن المبرد، إرشاد السالك في مناقب مالك (ص: 148). السفيري، المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (1/149).

([22])انظر: القاضي عياض، ترتيب المدارك (2/146). ابن المبرد، إرشاد السالك في مناقب مالك (ص: 417). الشيرازي، إبراهيم بن علي (المتوفى: 476هـ)، طبقات الفقهاء (ص: 67)، تحقيق إحسان عباس، دار الرائد العربي، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى ـ 1970م. السفيري، المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (1/151). ابن حجر، تهذيب التهذيب (10/8).

([23])انظر: ابن المبرد، إرشاد السالك في مناقب مالك (ص: 311).

([24])الذهبي،سير أعلام النبلاء (8/92).

([25])القطان، مناع بن خليل (المتوفى: 1420هـ)، تاريخ التشريع الإسلامي (ص: 353)، مكتبة وهبة، الطبعة الخامسة 1422هـ-2001م.

 

([26])المرجع السابق (1/357).

([27])القاضي عياض ، ترتيب المدارك (1/65).

 

([28])شيخ الإسلام ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم (المتوفى: 728هـ)، مجموع فتاوى (20/328 )، تحقيق عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ، المدينة المنورة ـ 1416هـ.

([29])عياض، ترتيب المدارك: (2/74).

 

([30])انظر: القرافي، أحمد بن إدريس (المتوفى: 684هـ)، شرح تنقيح الفصول (ص: 445). دار الفكر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى ـ 1393هـ. التسولي، علي بن عبدالسلام (المتوفى: 1258هـ) البهجة شرح التحفة (2/133)، مكتبة مصطفى الباجي، مصر، الطبعة الثانية ـ 1370هـ.

([31])انظر: الشوكاني، محمد بن علي (المتوفى: 1250هـ)، إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول (1/85)، تحقيق الشيخ أحمد عزو عناية، دمشق - كفر بطنا، دار الكتاب العربي، الطبعة الطبعة الأولى 1419هـ - 1999م. ابن قدامة، روضة الناظر (1/198).

([32])الشاطبي ، إبراهيم بن موسى (المتوفى: 790هـ)، الموافقات (4/144) المحقق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دارابن عفان، الطبعة الأولى 1417هـ/ 1997م.

([33])عياض ، ترتيب المدارك (1/89).

([34])رواه مسلم (2/705)، رقم (1017).

([35])انظر: الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول (1/95). ابن قدامة، روضة الناظر وجنة المناظر (1/273).

([36])انظر: المرجع السابق (1/274).

([37])الشوكاني، إرشاد الفحول (1/96).

([38])المرجع السابق (1/97).

([39])القرافي ، شرح تنقيح الفصول (ص356).

([40])انظر: عياض، ترتيب المدارك وتقريب المسالك (1/88). الباجي ، سليمان بن خلف ( المتوفى : 474هـ)، الإشارات في أصول الفقه (ص76)، تحقيق نور الدين الخامدي، دار ابن حزم ، بيروت، لبنان،الطبعة الأولى ـ 1321هـ. الشوكاني، إرشاد الفحول(1/253).

([41])ابن عبد البر، يوسف بن عمر (المتوفى : 463هـ) التمهيد (1/2)، تحقيق مصطفى العلوي ومحمد بكري ، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، المغرب ـ 1397م.

([42])الشاطبي ، الموافقات (3/24).

([43])الآمدي ، علي بن أبي علي (المتوفى: 631هـ) الإحكام في أصول الأحكام(2/347) تحقيق سيد الجميلي ، دار الكتاب العربي ، بيروت لبنان ، الطبعة الأولى ـ 1404هـ.

([44])مالك، المدونة (1/22). القرافي، الذخيرة (1/181).

([45])رواه مسلم (1/234)، كتاب الطهارة، باب حكم ولوغ الكلب، برقم (279).

([46])مالك، المدونة (1/25). انظر: القرافي، الذخيرة (1/181). الشاطبي ، الموافقات )3/20).

([47])مالك، الموطأ (1/322). القرافي، الذخيرة (2/524).

([48])متفق عليه، البخاري (3/35) رقم (1952)، كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم. ومسلم (2/803) رقم (1147)، كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت.

([49])انظر: الزركشي، محمد بن عبد الله (المتوفى: 794هـ) البحر المحيط في أصول الفقه (6/443)، دار الكتبي، الطبعة الأولى ـ 1414هـ. الشوكاني، إرشاد الفحول (1/219).

([50])عهدة الرقيق: "هو أن يشتري الرقيق ولا يشترط البائع البراءة من العيب ، فما أصاب المشتري من عيب في الأيام الثلاثة فهو من مال البائع ، ويرد إن شاء بلا بينة ، فإن وجد به بعد الثلاثة فلا يرد إلا ببينة" . انظر ابن الأثير ، المبرك بن محمد (المتوفى: 606هـ)، النهاية في غريب الحديث والأثر (3/326)، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود الطناحي ، المكتبة العلمية ، بيروت ، لبنان ـ 1399هـ .

([51])حكاه عنه الشوكاني في إرشاد الفحول (1/219).

([52])ابن قيم الجوزية ، محمد بن أبي بكر (المتوفى: 751هـ) إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/393) ، تحقيق طه عبد الرؤوف ‘ دار الجيل‘ بيروت ، لبنان ـ 1973م .

([53])انظر : عياض، ترتيب المدارك وتقريب المسالك (1/51). ابن القيم، إعلام الموقعين (2/283).

([54])الغزالي، محمد بن محمد (المتوفى: 505هـ)، المستصفى من علم الأصول (1/137)، تحقيق محمد عبد السلام ، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى ـ 1423، بيروت. ابن العربي، محمد بن عبد الله (المتوفى: 543هـ) المحصول في علم الأصول (ص: 121)، تحقيق حسن علي اليدري، دار البيارق، الأردن، الطبعة الأولى ـ 1420هـ. الشوكاني، إرشاد الفحول: (1/348).

([55])الآمدي، إحكام الأحكام (1/283). عياض، ترتيب المدارك (1/88).

([56])انظر: القرافي، شرح تنقيح الفصول (ص: 337). الشاطبي، الموافقات (2/81). ابن قدامة، عبد الله بن أحمد (المتوفى: 620هـ)، روضة الناظر وجنة المناظر (1/440)، مؤسسة الريّان للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1423هـ-2002م. الطوفي، سليمان بن عبد القوي (المتوفى: 716هـ)، شرح مختصر الروضة (3/136)، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى ، 1407 هـ / 1987م.

([57])انظر: القرافي، شرح تنقيح الفصول (ص: 337). 

...

 

Copyright © 2013 All rights reserved.

Flag Counter