مقدمة

إنَّ الحمدَ لله . نحمدُه ونستعينهُ ونستغفرُه . ونعوذُ باللهِ من شرورِ انفسنِا وسيئاتِ اعمالنا . من يهدِ الله فلا مضل له . ومن يضلل فلا هادي له . وأشهدُ أن لا اله الا الله حده لاشريك له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله .

    وبــعــد :

فانَّ من رحمة الله تعالى بعباده ان اباح لهم من الاموال ماتقوم به معيشتهم وتستقيم حياتهم . وفصَّل لهم من احكامه مايرتفع بمقتضاها الظلم والاعتداء . ويضمن كل ذي حقٍ حقه . وتستقر به النفوس وتأمن الحيف والاعتداء . ويطمئن كل ذي ذرية على ذريته من بعده . أن لاتؤكل اموالهم بالباطل . ولا يُحرَمون مما ترك من خير شيئاً .

فان الله تعالى شرع لاجل ذلك نظاماً بالغ الاحكام . لايعتريه القصور ولا النقص . مستوفٍ لحاجات المكلفين . مانعاً من طمع المنحرفين والجشعين . الا وهو علم المواريث. وقد جاءت النصوص من الكتاب والسنة لتؤكد اهمية هذا العلم وتحث على تعلمه . فمن كتاب الله تعالى آيات المواريث في سورة النساء . والصيغة التي جاءت في تشريعها . لتضيف لها مزيد مهابة وتفخيم واهتمام . والتي سيرد ذكرها في فصل مستقل ان شاء الله تعالى .

 ومن السنة مارواه ابوداود[1] عن عمرو بن العاص أن رسول الله ﷺقال : " العلم ثلاثة : وما سوى ذلك فهو فضل : آية محكمة او سنة متبعة اوفريضة عادلة " ومنها كذلك مارواه الترمذي[2] عن ابي هريرة قال قال رسول الله ﷺ" تعلموا القران والفرائض وعلموا الناس فاني مقبوض " . ومنها مارواه ابن ماجة[3] عن ابي هريرة قال قال :" ياأباهريرة تعلموا الفرائض وعلموها فانه نصف العلم . وهو ينسى وهو اول شئ ينزع من امتي "

ومع هذا الاهتمام فانا نجد مع شديد الاسف اعراض كثير من المشتغلين بالعلم الشرعي عن تعلمه والاهتمام به بما يليق بمنزلته . بين العلوم الشرعية . ولاعجب في امة قد اهملت تعلم كتاب ربها وسنة نبيها ﷺالذي بهما تتحصل سعادتها في الدارين .

فيأتي هذا البحث المتواضع ليضيف شيئاً يسيراً في تحقيق بعضٍ من اهم مباحثه وهي مباحث العصبات . سائلاً الله تعالى العون على اتمامه على اكمل وجه وأخلصه واحسنه . انه سميع عليم .

وقد صدرته بتمهيد يبين اهمية العصبات ومعالم البحث المتعلق بها .

فاقول ومن الله العون :

 

تمهيد

في اهمية العصبات

العصبات هم الصنف الثاني من الورثة . يرثون بعد اصحاب الفروض . الا ان هذا الترتيب لايعني انهم ادنى من حيث الاهمية من اصحاب الفرائض بل ذهب غير واحد من علماء المواريث الى تقديم اصحاب العصبات على اصحاب الفروض في الاهمية . وذلك لان اصحاب العصبات يرثون من التركة اكثر من نصيب اصحاب الفرائض في احوال عدة . بل قد يرث العصبةُ كلَّ التركةِ عند عدم وجود صاحب فرض . ولايكون ذلك لصاحب فرض[4] . فنصيب العصبات يتصف بالمرونة والتغير بحسب تركيب الورثة . فتارة يتسع ليفوق ميراث اهل الفرائض وتارة يقلص ليكون ادنى منهم . وتارة يحجبون فيحرمون الميراث . وهذا ماسبب الخلاف مارَّ الذكر في التفضيل بين اصحاب العصبات واصحاب الفرائض .

 وتعد مباحث العصبات من أهم واوسع واعسر مافي علم المواريث . لكثرة تفاريعها وتفاصيلها . فالعصبات من حيث العدد اكثر من اصحاب الفرائض . وهم مع كثرتهم لايندرجون تحت حالة واحدة في الميراث فكان من البديهي ان تتسع مباحث العصبات ومن ثم يتسع الخلاف في تاصيل مسائله . ومن هنا ايضا تتضح اهمية مباحث العصبات لما تشتمل عليه من اصناف عدة من الورثة من الاصول والفروع . والذكور والاناث . والقريب والبعيد . وتغير نصيب كل واحد منهم بحسب مايحيط بالميت من اقارب . وهذا التغير وعدم الثبات هو من اهم ميزات العصبة عن اصحاب الفرائض فان هؤلاء انصبتهم ثابتة لاتقبل التغيير بخلاف اصحاب العصبات ..

. ومن ثم فقد عسر على كثير من العلماء وضع تعريف منضبط جامع مانع للعصبات وكما سيأتي تفصيله باذن الله تعالى .

ولاجل اتساع الخلاف بين العلماء فقد حرصت على استيعاب ابرز اقوالهم من قبل الكتب المعتمدة او التي اعتنت باستيفاء مسائله . ولااقول هنا اني استوعبت كل الاقوال لسائر مذاهب المسلمين لما يستلزمه ذلك من استطراد ووقت وجهد لايتلائم مع هذا المختصر وهذا الجهد . ولا القصد الذي من اجله ألّف هذا البحث المتواضع . فاني اوجه بحثي هذا الى الفئة المتوسطة من المشتغلين بالعلم الشرعي عامة والمهتمين بعلم الفرائض خاصة .

سائلاً الله تعالى ان يحقق المقصد الذي أُلِّف من أجله . وأن يرزقه القبول . وان ينفع به من طالعه . إن كان على سبيل التبصير او التذكير[5].

ثم اني قد صدرت البحث بتعريف مفصل للعصبة لغةً واصطلاحاً وحرصت على اشباع المسألة بالاقوال المتعددة سواء التعريف اللغوي او التعريف الاصطلاحي فلم اقتصر على قول واحد او تعريف واحد . سعياً مني لاثراء الموضوع واعطاء التصور الكامل او القريب من الكامل لاصطلاح العصبة . لانه يقوم مقام الاساس لباقي مسائل البحث وفروعه . فان الحكم على الشئ فرع عن تصوره .

ثم تلوتُ هذا الفصل بفصل اخر متمم للاول وهو عرض مختصر لمناهج الفقهاء في استنباط وتاصيل ادلة العصبات من الكتاب والسنة . ولاشك ان تفصيل القول في مثل هذا الفصل واعطاءه حقه يستوعب مجلداً بما يخرج عن مقاصد هذا البحث من حيث الاقتصار لذا فقد اكتفيت بذكر نبذٍ تبين معالم هذه المناهج في تناول النصوص من القران والسنة النبوية لتأصيل رؤس المسائل وفروعها .

ثم ختمت البحث بفصل هو الغاية والمنتهى في مباحث العصبات فعرضت فيه بشكل موجز ايضاً – ابرز المسائل المختلف فيها بين العلماء والمتعلقة بالعصبات .

والله تعالى اسأل العون على اتمامه على اكمل وجه واخلصه واتقنه انه سميع عليم .

وهذا اوان الشروع في المقصود :

 

***

 

 

الفصل الاول

في معنى العصبة واقسامها

وفيه ثلاثة مباحث :

      المبحث الاول : في تعريف العصبة لغة واصطلاحاً

الباب الاول : في تعريف العصبة لغة :

لما كان الحكم على الشئ فرع عن تصوره . فقد رأيت من المهم التفصيل في اصل المعنى اللغوي للعصبة لكونه الاصل في تصور المعنى الاصطلاحي . لذلك فقد رجعت الى مصادر لغوية عدة لاستكمال هذا التصور اللازم للموضوع .

قال ابن فارس[6] " العين والصاد والباء أصل واحد صحيح واحد يدل على ربط شئ بشئ مستطيلاً أومستديراً ثم يفرع ذلك فروعاً وكله راجع الى قياس واحد .. ثم قال : قال الخليل العصَبَة هم الذين يرثون الرجل عن كلالة من غير والد ولا ولد . فاما في الفرائض فكل من لم تكن فريضته مسماة فهو عصبة ان بقي بعد الفرائض شئ أخذوه .. "اهـ ,

وجاء في لسان العرب[7] : " انعصب : اشتدَّ والعصب الطيُّ الشديد . وعَصَب الشئ يعصبه يعصبه عصباً طواه ولواه وقيل شده . والعصابُ والعصابة : ماعصب به وعصب رأسه وعصَّبه تعصيباً شدّه واسم ماشُدَ به : العصابة وتعصب اي شد العصابة والعصابة العمامة منه والعمائم يقال لها العصائب .. وعصب الشجرة يعصبها عصْباً : ضم ماتفرق منها بحبل ثم خبطها ليسقط ورقها .. واصل العصب : الليُّ ومنه عصب التيس والكبش .. وعصّبَ القومَ جوَّعهم .. ورجل معصب فقير .. وعصبة الرجل بنوه وقرابته لآبيه والعصبة الذين يرثون الرجل عن كلالة من غير والد ولاولد . فاما في الفرائض فكل من لم تكن له فريضة مسماة فهو عصبة ان بقي شئ بعد الفرائض أخذ .." اهـ مختصرا .

وقال الفيروزآبادي[8] :" العَصَب : محركة اطناب المفاصل وشجر اللبلاب . كالعصب ويضم وخيار القوم وعصب اللحم –كفرح – كثر عصبه والعصب الطي واللي والشد وضم ماتفرق من الشجر وخبطه . وشد خصي التيس والكبش حتى يسقطا من غير نزع وضرب من البُرد وغيم احمر يكون في الجدب .. والعصابة بالكسر ماعُصب به كالعصاب والعمامة وتعصّبَ : شدَّ العصابة وأتى بالعصبية وتقنع بالشئ ورضي به كاعتصب به . وعصبه تعصيباً جوعه وأهلكه . والعصبة : محركة : الذين يرثون الرجل عن كلالة من غير والد ولا ولد . فاما في الفرائض : فكل من لم يكن له فريضة مسماة فهو عصبة .إن بقي شئ بعد الفرض أخذ . وقوم الرجل الذين يتعصبون له . والعُصبة بالضم : من الرجال والخيل والطير : مابين العشرة الى الاربعين .." اهـ مختصراً .

ومما تقدم من كلام علماء اللغة في معنى العصبة يتحصل للعصبة واشتقاقاتها معنيان اصليان متقاربان عليهما مدار سائر المعاني :

الاول : الالتفاف التام .

والثاني : الالتصاق الوثيق .

والمتامل في المعنى الاصطلاحي للعصبة يجد فيه المعنيين المتقدمين معا وكما سيأتي ان شاء الله .

وقد استعمل العلماء لفظة عصبة وعاصب في المفرد مذكراً كان أو مؤنثاً كما استعملوا لفظة عصبة وعصبات في الجمع مذكراً او مؤنثاً [9].

وقال يوسف الاسير[10] " والعصبة بفتحهما كذلك قوم الرجل اي اقاربه الرجال من جهة ابيه الذين يتعصبون له اي يتشددون لاجله ويقومون معه على من يقوم عليه وعرفاً من ليس له حظ مقدر صريحاً من الورثة . ويطلق على الشخص والعدد وهي في الاصل جمع عاصب وتجمع على عصبات وعصاب .."اهـ

الباب الثاني في تعريف العصبة اصطلاحاَ :

 

من المهم ابتداء التنبيه الى ان اصطلاح العصبة شرعاً يطلق ويراد به معنيان :

 الاول : مطلق الور ثة[11] لامن يرث بالتعصيب فقط . ومن هذا المعنى مارواه مسلم عن ابي هريرة قول النبي ﷺ" وأيكم ترك مالاً فالى العصبة من كان[12] " .

والثاني : من سوى اصحاب الفرائض . وهم موضع البحث .

ومن الجدير بالذكر في هذا المقام ان بعض الفقهاء استبعدوا مباحث المواريث برمتها من كتبهم . ذلك لكون هذا العلم – في نظرهم - ليس من الفقه لان علم الفقه متعلق بافعال المكلفين من حيث الحل والحرمة اما الفرائض فموضوعها التركات وقسمتها ومعرفة اصحابها وما لكل واحد منهم منها . ومن اؤلئك علاء الدين الكاساني وبرهان الدين ابن مازة وهما حنفيان . وستأتي الاشارة –ان شاء الله- الى فقهاء اخرون من مذاهب اخرى اغفلوا الكلام عن المواريث .

    ومن المهم في هذا المقام التنبيه الى انه لما كانت العصبات على صور متعددة لاتنتظم تحت ضابط واحد فمن هنا اتسع الخلاف في تعريفها .

وقد حرصتُ على استقصاء ماوصلت اليه من اقوال الفقهاء على اختلاف مذاهبهم في تعريف العصبة لكونها الاساس الذي ينبني عليه التصور الصحيح والمنضبط للمراد من العصبات على لسان الفرائضيين والفقهاء . وفيما يلي تلك الاقوال :

 

 

    اولاً اقوال الحنفية :

قال المحقق عبدالله بن محمود الموصلي في الاختيار[13] " هم كل من ليس له سهم مقدر ويأخذ مابقي من سهام ذوي الفروض . واذا انفرد أخذ جميع المال .."اهـ .

وقال ابوالبركات النسفي[14] " من أخذ الكل إن انفرد . والباقي مع ذي سهم .."

وقال محمد بن حسين الطوري[15] " هم الذين ياخذون مافضل من اصحاب الفروض .." اهـ .

في حين اكتفى غير واحد من فقهاء الاحناف البارزين كالتمرتاشي وتابعه الحصكفي[16] وابن عابدين[17] بذكر اقسام العصبات دون الاشارة الى تعريف منضبط للعصبات . ولعل مسوغ ذلك هو كون العصبات باقسامها الثلاث يعسر ضبطها بتعريف واحد جامع مانع مختصر . لاختلاف احوال اصحابها اختلافاً يمتنع جمعهم في تعريف او ضابط واحد الا بالفاظ عامة لاتفي بالغرض المطلوب في وضع تعريف منضبط لها جميعاً .

وجاء في شرح السراجية للجرجاني الحنفي[18] :" والعصبة مطلقاً كل من ياخذ من التركة ماابقته الفرائض .- اي جنسها- وعند الانفراد - اي انفراده من غيره في الوراثة يحرز جميع المال بجهة واحدة .." اهـ

    ثانياً اقوال المالكية :

حذا بعض فقهاء المالكية حذو بعض فقهاء الاحناف في عدم تناول العصبات بالتعريف ومنهم ابن عبدالبر[19] . وخليل بن اسحق وتبعه على ذلك ابوعبدالله الحطاب الرعيني[20] . وغيرهم من شراح مختصر خليل .

قال القرافي[21] : " العصبة اسم من يحوز جميع المال اذا انفرد أو يأخذ مافضل وهم ثلاثة اقسام عصبة بنفسه وعصبة بغير وعصبة مع غيره ." اهـ . ثم شرع في تفصيل هذه الاقسام .

وعرفه ابن الحاجب[22] بقوله " فالتعصيب فيمن يستغرق المال اذا انفرد والباقي عن الفروض بقرابة ولا يكون الا في ذكر يدلي بنفسه .." اهـ .

والتعريف عند التأمل قاصر على العصبة بالنفس ولايشمل العصبة بالغير والعصبة مع الغير كما هو بين . ولعل مرد ذلك الى ان العصبة عند الاطلاق يراد بها ماذكر فاقتصر على الغالب . والله تعالى اعلم .

واما اقوال علماء الفرائض من المالكية فاليك اقوال من وقفت عليه :

قال ابوعبدالله الشطي المالكي[23] " من حاز كل المال عند انفراده . أو البقية إن كان معه صاحب فرض .." اهـ .

وقال ابو حكيم بن ابراهيم الفرضي[24] " أحقهم بالميراث هو اقربهم وهو الابن ثم بنوه وان سفلوا ثم الاب ثم الجد وان علا مالم يكن إخوة " اهـ . والمتأمل في كلام الشيخ يجده تعداداً لاصحاب العصبات لاتعريفاً لهم . فهو قد تجنب وضع تعريف للعصبة لعسر ضبط اصنافها بضابط واحد كما سيأتي .

    ثالثاً اقوال الشافعية :

لما كان رأي بعض الفقهاء ان الفرائض ليست من الفقه بل هو علم مستقل لذا فقد استبعدوه من كتبهم بناء على هذا التأصيل المرجوح . ومن هؤلاء ابو الحسن الماوردي في الحاوي الكبير وابومحمد البغوي في التهذيب . وابومحمد الغزالي في الوسيط والوجيز وتابعه الرافعي في كتابه (العزيز شرح الوجيز ) .

وممن عرف العصبة من فقهاء الشافعية ابو الحسين العمراني في كتابه الماتع البيان في شرح المهذب حيث قال[25] : " العصبة كل ذكر لايدلي الى الميت بانثى وانما سمي عصبة لأنه يجمع المال ويحوزه مشتق من العصابة لانها تحيط بالرأس وتجمعه " اهـ لكن المتامل ان الشيخ رحمه الله اقتصر في تعريفه على العصبة بالنفسه . فالتعريف عند التامل لايشمل العصبة بالغير ولا العصبة مع الغير .

ومع أن النووي رحمه الله تعالى قد تناول مباحث الفرائض في كتابه (منهاج الطالبين) الا أنه لم يضع تعريفاً للعصبة بل تناول التفاصيل دون تقديم تعريف لها . ولعل ذلك لكون العصبات كما تقدم لاتنحصر في نوع واحد منضبط بل تشمل انواعاً مختلفة . ومن ثم فقد تابعه بعض الشراح في عدم ذكر تعريف للعصبات كشهاب الدين الرملي[26] .

اما علماء المواريث من الشافعية فقد قاربت اقوالهم - في المعنى -0 مامرَّ آنفاً من اقوال فقهائهم المتقدم ذكر بعضها وكما يلي :

قال عبدالله الشنشوري الشافعي[27] " فكل من احرز كل المال عند الانفراد من القرابات .. او كان مايفضل بعد الفرض له فهو اخو العصوبة " اهـ

وقال البقري في حاشيته على الرحبية[28] : واما اصطلاحاً فافصح ماعرف به الحد ماقاله شيخ الاسلام : العاصب بنفسه كل ذي ولاء وذكر نسيب ليس بينه وبين الميت انثى . فدخل في قوله " كل ذي ولاء " الذكر والانثى التي باشرت العتق . ودخل في قوله : "وذكر " الزوج . وخرج بقوله " نسيب " وخرج بقوله " ليس بينه وبين الميت انثى " ولد الام والعاصب بغيره : كل انثى عصبهها ذكر . والعاصب مع غيره كل انثى تصير عصبة باجتماعها مع اخرى ومع ..." اهـ

وقال الشاشي[29] " العصبة كل ذكر ليس بينه وبين الميت انثى " اهـ

رابعاً اقوال الحنابلة :

قال ابن قدامة[30] : العصبة : هو الوارث بغير تقدير . واذا كان معه ذو فرض أخذ مافضل عنه . قل أو كثر . وان انفرد أخذ الكل . وان استغرقت الفروضُ المال سقط " اهـ . وهو تعريف للعصبة بالنفس فقط دون العصبة بالغير والعصبة مع الغير .

واكتفى تقي الدين الفتوحي بقوله : " وهو من يرث بلا تقدير ولايرث أبعد بتعصيب مع اقرب . وأقرب العصبة ابن فابنه وان نزل فأب فأبوه وان علا .."[31]

وقريب من هذا الصنيع حذا منصور البهوتي في كشاف القناع[32] في شرحه لكتاب الاقناع فانه قال شارحاً كلام ... " العصبة من يرث بغير تقدير لانه متى لم يكن معه ذو فرض اخذ المال كله وان كان معه ذو فرض أخذ الباقي .

ولم يتناول ابن مفلح في فروعه[33] تعريف العصبة بل ابتدأ كلامه بقوله " أقرب العصبة الابن ثم ابنه وإن نزل ثم الاب ثم الجد وإن علا مع عدم أخ لأبوين .." الى اخر كلامه

وعرفه الشيخ عبدالعزيز بن باز بقوله[34] " من يرث بلاتقدير .." اهـ

وقريب من هذا التعريف تعريف تلميذه الشيخ محمد بن صالح العثيمين بقوله " : كل من يرث بلا تقدير[35] "اهـ .

وقال عبدالعزيز السلمان[36] " هو الوارث بغير تقدير او من يحوز المال اذا لم يكن معه صاحب فرض .. (ثم قال) : وعرفه بعض العلماء بقوله : العاصب : من يأخذ كل المال عند انفراده وياخذ مابقي بعد اصحاب الفروض .." اهـ

اما اقوال علماء الفرائض من الحنابلة فكانت كما يلي :

قال في العذب الفائض " التعصيب مصدر عصب يعصب تعصيبا فهو عاصب ويجمع العاصب على عصبة وتجمع العصبة على عصبات ويسمى بالعصبة الواحد وغيره مذكراً كان او مؤنثاً .. وقال ابن الصلاح رحمه الله : اطلاقها على الواحد من كلام العامة وقال في الصحاح : عصبة الرجل بنوه وقرابته لأبيه وانما سموا عصبة لآنهم عصبوا به اي احاطوا به فالاب طرف والابن طرف والاخ جانب والعم جانب وكل شئ استدار جول شئ فقد عصب به ومنه العصائب وهي العمائم واعلم أن العصبة النسبية عند الفرضيين ينقسمون الى ثلاث اقسام[37] :.." اهـ بتصرف يسير .

خامساً اقوال الظاهرية :

حيث انه ليس للظاهرية من كتبهم المعتمدة والمطبوعة للاسف الا كتاب المحلى فاني لم اجد فيه قولاً صريحاً في تعريف العصبات .

سادساً اقوال الاباظية :

قال محمد يوسف أطفيش في كتابه النيل وشفاء العليل[38] : " ان من يرث به يحوز المال ان انفرد اوالفضل عن ذوي السهام إن كانوا معه " اهـ . وقال شارحه " وماذكره المصنف تعريف للعاصب في نفسه ولاشك ان التعصيب حوز المال عند الانفراد والفضل عن ذوي السهام اذا كانوا .." اهـ

هذا ما اطلعت عليه من اقوال فقهاء المذاهب الاربعة وغيرهم في تعريف العصبات .

وجاء في الموسوعة الفقهية[39] " هم كل من لم يكن له سهم مقدر من المجمع عليهم على توريثهم فيرث المال ان لم يكن معه ذو فرض او مافضل بعد الفروض " اهـ .

وفي الكليات لابي البقاء الكفوي[40] : " العصبة كل من ليس له فريضة مسماة في الميراث وانما يأخذ مايبقى بعد ارباب الفرائض .." اهـ

الخلاصة في تعريف العصبات :

     مما سبق يتبين ان اقوال العلماء في تعريف العصبات او التعصيب يدور حول امرين الاول : حال العصبة بنفسه وهو لايكون الا ذكراً فقط . وهذا الاسلوب في التعريف قاصر كما مرت الاشارة لانه يتناول نوعا واحدا من ثلاثة انواع .

الامر الثاني : التعريف بجزء الماهية . وهذا الاسلوب في التعريف قاصر ايضاً . فان من شرط التعريف ان يكون جامعاً مانعاً . وهذا الاسلوب في التعريف غير جامع .

ولذلك قال ابو عبد الله الشطي اثر تعريفه للعصبات[41] " وهذا على سبيل التقريب والا فهو مردود عند المناطقة لما فيه من التعريف بالحكم اللازم عليه الدور ولا يوجد له تعريف سالم من الانتقاد ولذلك قال ابن الهائم في كفايته :

              وليس يخلو حده من نقد فينبغي تعريفــه بالعــد "اهـ

وقال الشيخ صالح الفوزان[42] " لاتجد تعريفاً للعاصب سالماً من الانتقاد ولو بعد تحرير المراد " اهـ .

وهذا ماسار عليه كثير من الفرائضيين والفقهاء حيث آثروا تعريفه بذكر انواعه . وبيان ماهية كل نوع .

وبناء على ماتقدم يمكن بيان مدار اقوال العلماء في تعريف العصبات على اعتبارين :

الاعتبار الاول : اعتنى بتعريف العصبة باعتبار كيفية توريثه اوصفة ميراثه : فقالوا من يرث بعد اصحاب الفرائض . ونحو هذا الكلام .

الاعتبار الثاني : اعتنى بتعريف العصبة باعتبار ماهية العصبة اوصفة قرابته من الميت فقالوا :كل ذكر ليس بينه وبين الميت انثى .

ومع توارد الاعتراضات على كلا الاعتبارين الا ان الاعتبار الاول هو اشمل لأنواع العصبات واسلم من الاعتراض .

 

     المبحث الثاني : في انواع العصبة واقسامها عند علماء المواريث :

 

    لعلماء المواريث تقسيمان للعصبات الاول : باعتبار ماهية العصبة اوصلة القرابة المسوغة للتعصيب . والثاني باعتبار سبب التعصيب وهو خاص بالنوع الثاني المسمى العصبة النسبية واليك بيانهما :

فاما الاعتبار الاول : فالعصبات قسمان :

القسم الاول : عصبة سببية : وهي التي تجئ من جهة السبب وهو العتق[43] . فمسوغ اثباتها هو بسبب العتق . والمقصود بهذه العصبة هو مولى العتاقة ويسمى الارث بها الارث بولاء العتاقة .

    وهي قرابة حكمية توجب لمن اتصف بها حكم العصبة عند عدمها . ويسمى المعتِق مولى العتاقة ومولى النعمة لأنه الذي أنعم على مولاه بالعتق[44] .

ومن ادلة هذا النوع من العصبة قوله ﷺ:( الولاء لُحمة كلحمة النسب لايباع ولا يوهب) وهو حديث رواه ابن حبان (4950) والحاكم 4/ 341 وصححه . والبيهقي في الكبرى 10 / 292 . وصححه الالباني في الارواء[45] .

ومن ادلته كذلك مارواه البخاري[46] عن عرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَخْبَرَتْهُ أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِى كِتَابَتِهَا ، وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئاً ، قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ ارْجِعِى إِلَى أَهْلِكِ ، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِىَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ ، وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِى فَعَلْتُ . فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لأَهْلِهَا فَأَبَوْا وَقَالُوا إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ ، وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لَنَا ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺفَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ« ابْتَاعِى فَأَعْتِقِى ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ » . قَالَ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺفَقَالَ « مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْستْ فِى كِتَابِ اللَّهِ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطاً لَيْس فِى كتَابِ اللَّهِ فَلَيْس لَهُ ، وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ ، شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ »

وجعل ابن ماجة في سننه باباً باسم ميراث الولاء . مايدل على اهميته ومكانته وثبوته .

فقد جعل رسول الله ﷺهذه الصلة كصلة النسب كما مرَّ في الحديث . لان المعتِق أعاد الحرية للمعتَق . وهي بمثابة حياة جديدة لما يترتب على الحرية من الاحكام الشرعية مايختلف عن حال الرق من وجوه كثيرة في العبادات والمعاملات . والحقوق والواجبات والالتزامات . فالعتق سبب لاستكمال صفة الادمية في المعتَق .

ومن المهم التنبيه هنا الى أن العصبة السببية لاتوجب الميراث من الجانبين كما هو الحال في العصبة النسبية وسائر انواع القرابات المسوغة للتوارث من الجانبين . بل يكون التوارث من جانب واحد فقط فالمعتِق - بكسر التاء - هو الذي يرث المعتَق – بفتح التاء . دون العكس . وذلك لان مسوغ التوارث هو فضل الاعتاق . وهذا الفضل لايعود للطرفين وانما يرجع للمعتق وحده فمن اجل ذلك جوزي باحسانه باثبات الميراث له وحده .

والمتأمل في هذه العصبة وهذا النوع من الميراث . تظهر له من حِكَمِها ان الاسلام يحث على العتق والتخلص من الرق . ويشجع عليه بل ويكافئ فاعله في الدنيا والاخرة . وبالتالي يرد مزاعم كثير المستشرقين وامثالهم ممن يرمي الاسلام بتهمة التحريض على الرق او التشجيع عليه . ولعل الواقع المعاصر خير مثال على رد هذه الشبهة فان الرق في العالم الاسلامي اليوم يكاد ينقرض . وماذلك الا أن الاسلام قد شرع كثيرا من الاحكام التي تؤل الى العتق كالكفارات . بالاضافة الى ماتقدم من التشجيع عليه باثبات حق ميراث المعتِق للمعتَق .

اما مرتبة العصبة السببية فهي مؤخرة عن العصبة النسبية بالاتفاق[47] . ثم ان العلماء اختلفوا بعد ذلك على اقوال سيأتي بيانها باذن الله .

 ولا اعلم خلافاً في مشروعيته . ولكون هذا النوع من العصبة يكاد يكون معدوماً في هذا الزمان . ولان اكثر مباحث العصبات موضوعة فيما يخص القسم الثاني فسوف لن افصل القول فيه . مكتفياً بماتقدم .

القسم الثاني : عصبة نَسَبية[48] : وتسمى ايضا عصبة بالنسب وسيأتي زيادة بيان لهذا القسم قريباً باذن الله تعالى في الكلام التالي .

  واما الاعتبار الثاني : فهو سبب التعصيب:

فبهذا الاعتبار العصبة ثلاثة اقسام[49] : وجعلها النووي في روضة الطالبين[50] قسمين فقط : هما : عصبة بنفسه وهو كل ذكر يدلي الى الميت بغير واسطة او بتوسط محض للذكور . وعصبة بغيره وهم البنات وبنات الابن . والاخوات للابوين وللاب فيتعصبن باخواتهن ويتعصب الاخوات من الجهتين بالبنات وببنات الابن[51] .

    وعند التامل نجد ان النووي رحمه الله قد جعل القسم الثاني والثالث قسماً واحداً . فهو خلاف لفظي . فنعود الى قسمة الجمهور الثلاثية . وهي كما يلي :

      الاول : عصبة بالنفس: هي كل ذكر لايدخل في نسبته الى الميت أنثى . فيرث التركة كلها اذا انفرد . او باقي التركة من نصيب اصحاب الفرائض . أو الحرمان ان استحوذ اصحاب الفرائض على سائر التركة . ان وجدوا . وعدتهم[52] احد عشر رجلاً وقيل اثنى عشر[53] وهم : الاب والجد وان علا والابن وابنه وان سفل والاخ الشقيق أو لأب . وابن الاخ كذلك وان سفل والعم الشقيق أو لأب وابن العم كذلك وان سفل كابن ابن العم . أو علا كعم الاب او الجد . والمعتق ذكراً كان او انثى وعصبته العاصبون بانفسهم وبيت المال .

وهذا القسم هم المجمع على ارثهم من الرجال الا الزوج والاخ من الام[54] . وقد اختلف الفقهاء في اثبات جهات العصبة بالنفس على ثلاثة مذاهب[55] :

         المذهب الاول : قالوا ان جهات العصبة بالنفس سبع هي البنوة ثم الابوة ثم الجدودة مع الاخوة ثم بنوا الاخوة ثم العمومة ثم الولاء ثم بيت المال . وهذا مذهب الشافعية والمالكية .

        المذهب الثاني : قالوا ان جهات العصبة بالنفس ست هي البنوة ثم الابوة ثم الجدودة مع الاخوة ثم بنوا الاخوة ثم العمومة ثم الولاء . وهو مذهب الحنابلة وابي يوسف ومحمد من الحنفية .

       المذهب الثالث : قالوا ان جهات العصبة بالنفس خمس فقط هي البنوة ثم الابوة ثم الاخوة ثم العمومة ثم الولاء بادخال الجد - وان علا - في الابوة . وادخال بني الاخوة وان نزلوا بمحض الذكور في الاخوة . وهو مذهب ابي حنيفة رحمه الله تعالى .

القسم الثاني : عصبة بالغير : وهم اربعة اصناف[56] البنت فأكثر مع الابن فاكثر . وبنت الابن فاكثر مع ابن الابن فاكثر الذي هو في درجتها سواء كان أخاها او ابن عمها او مع ابن الابن الذي هو أنزل منها اذا احتاجت اليه ودليل هذين الصنفين قوله تعالى : { يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين }.

وفي تفسير هذه الاية يقول القرطبي[57] " وأجمع العلماء على ان الاولاد اذا كان معهم من له فرض أعطيه . وكان مابقي للذكر مثل حظ الانثيين .." اهـ

وقال الشيخ صالح الفوزان[58] :" وانما اشترك أخوات هؤلاء الاربعة معهم لان الرجال والنساء كلهم وارث فلو فرض للنساء فرض افضى الى تفضيل الانثى على الذكر او مساواتها اياه او اسقاطه بالكلية فكانت المقاسمة أعدل واولى . وسائر العصبات ليس أخواتهم من اهل الميراث فانهن لسن بذوات فرض ولايرثن منفردات فلا يرثن مع اخوتهن شيئاً ." اهـ

وبمعنى اخر : هي النسوة اللاتي فرضهن النصف والثلثان يصرن عصبة باخوتهن.

والفرق بين العصبة بالنفس والعصبة بالغير[59] من وجوه وهي :

1- ان العصبة بالنفس لايكون الا رجلاً والعصبة بالغير يكون فيه رجل مع امرأة واحدة او اكثر .

2- ان العصبة بالنفس يقسم المال بينهم بالتساوي في حين العصبة بالغير يقسم المال بينهم على ان للذكر مثل حظ الانثيين .

وقد خالف عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ماتقدم في ميراث ابن الاب اذا استكمل الاخوات من الابوين الثلثين فجعل الباقي للذكر من ولد الاب دون الاناث . فان كانت أخت من ابوين واخوة واخوات من اب جعل للاناث من ولد الاب الأضر بهن من المقاسمة او السدس وجعل الباقي للذكور وكذلك فعل في ولد الابن مع البنات فاذا استكمل البنات الثلثين فالباقي للذكور من ولد الابن دون اخواتهم .

والثالث : عصبة مع الغير : هي كل انثى تصير عصبة مع انثى اخرى كالاخت مع البنت . وهي صنفان : الاخت الشقيقة فأكثر والاخت لأب فأكثر مع البنت فأكثر . أو بنت الابن فأكثر .

وقد اختلف العلماء في تعيين من تشملهم العصبة مع الغير على ثلاثة اقوال[60] سيأتي بيانها باذن الله تعالى في الفصل الثالث من هذا البحث .

والفرق بين العصبة بالغير والعصبة مع الغير[61] من وجوه ايضاً :

1- ان احد الطرفين في العصبة بالغير عاصب بنفسه اي ذكر . في حين ليس احد الطرفين في العصبة مع الغير عاصبا بنفسه بل الاثنتين من الاناث .

2- يشترك في العصبة بالغير العاصب والمعصوب في اقتسام التركة . اوباقيها بعد اصحاب الفروض . على ان للذكر مثل حظ الانثيين . فيؤجل قبض نصيب الطرفين – العاصب والمعصوب – حتى يأخذ اصحاب الفرائض انصبتهم . اما العصبة مع الغير فانه لما اكان احد الطرفين صاحب فرض فلا يؤجل نصيبه بعدهم بل يأخذه مع امثاله من اصحاب الفرائض . ام الطرف الثاني وهو المعصوب فانه يؤجل بعد اصحاب الفرائض .

3- في العصبة بالغير حالة من احوال الميراث يأخذان فيها جميع التركة وهي لو مات رجل عن اخ شقيق واخت شقيقة . فانهما يقتسمان التركة بينهما للذكر مثل حظ الانثيين . اما العصبة مع الغير فليست فيها مثل هذه الحالة اذ لابد أن يكون بين الورثة صاحبة فرض من فروع الميت الاناث كالبنت وبنت الابن .

 

 

 

 

    المبحث الثالث : في الفرق بين صاحب العصبة وصاحب الفرض :

 

وهذا المبحث اضفته زيادة في توضيح المراد بالعصبة وفهم خصائص اصحابها بمعرفة مايميزهم عن اصحاب الفروض :

ويمكن تلخيص هذه الفروق بما يلي :

1 – ان صاحب الفرض يرث بالنص الشرعي اما من القران الحكيم وهو اكثر اصحاب الفرائض او من السنة النبوية كميراث الجد والجدة . فلا مدخل للاجتهاد في تحديد او تعيين نصيبه . في حين ان للعصبات مدخل للاجتهاد واعمال النظر وهذا احد اسباب اتساع الخلاف في تعيين انصبتهم والترجيح فيما بينهم .

2- ان بعض اصحاب الفروض يمكن ان يتحول نصيبه الى عصبة في حين لايمكن لاصحاب العصبة ان يكونوا من اصحاب الفرائض . وذلك كميراث الاب[62] فانه تارة يكون من اصحاب الفرائض وتارة من اصحاب العصبات . وذلك بالنسبة لمن لايرث الا بالتعصيب دائماً كالابن والاخ الشقيق[63] .

3- ان صاحب العصبة قد يزيد نصيبه على نصيب صاحب الفرض . كما لو توفي رجل عن زوجة واخ لأب فللزوجة الربع وللاخ الشقيق الباقي وهو ثلاثة ارباع التركة . وقد ينقص . وليس ذلك لصاحب الفريضة لان نصيبه ثابت . الاان لميراث الزوج والزوجة صورتان من الميراث وهما في كلتا الصورتين اصحاب فريضة .وللام ثلاثة صور .

4- ان صاحب العصبة اذا انفرد كانت له التركة كاملة وليس ذلك لصاحب الفرض غالباً .

5- ان العصبات اذا اجتمعوا حجب الاقرب منهم الابعد حجب حرمان بخلاف اصحاب الفروض فانهم لايحجب بعضهم بعضاً حجب حرمان . وقد يحجبون حجب نقصان كميراث الزوجة عند وجود البنت .

6 - يمكن لصاحب الفرض أن يجمع بين الفرض والعصبة كالاب مع الولد[64] .

     واختم هذه الفروق ببيان احوال الورثة بالنسبة لنوع ميراثهم : وهو اربعة اقسام :

الاول : من لايرث الا بالفرض دائما وهم سبعة : الام والاخ لأم والاخت لأم والجدة من جهة الام والجدة من جهة الاب والزوج والزوجة .

الثاني : من لايرث الا بالتعصيب فقط وهم اثنا عشر وهم الابن . وابن الابن وان نزل . والاخ الشقيق . والاخ وابن الاخ الشقيق . وابن الاخ لأب وان نزلا والعم الشقيق والعم لأب وان عليا وابن العم الشقيق وابن العم لأب وان نزلا والمعتق والمعتقة[65] .

الثالث : من يرث بالفرض تارة وبالتعصيب تارة اخرى ويجمع بينهما تارة اخرى وهما اثنان الاب والجد .

الرابع : من يرث بالفرض تارة وبالتعصيب تارة ولكنه لايجمع بينهما ابدا . وهم اربعة : البنت فاكثر وبنت الابن فاكثر وان نزل ابوهما . والاخت الشقيقة فاكثر والاخت لأب فاكثر .

ولزيادة توضيح هذه الاقسام لابد من ذكر ضابطين :

الضابط الاول : ان العصبة بنفسه لايكون الا ذكراً وحده . اي دون معصب اخر فياخذ التركة كاملة اذا انفرد. واما العصبة بالغير فهي انثى وعاصبها ذكر . فهما يقتسمان التركة عند انفرادهما (للذكر ضعف ماللانثى)واما العصبة مع الغير فهي انثى وعاصبتها انثى ايضاً . وهي – اي المعصوبة - لاتنفرد بالميراث .

 فتكون القسمة كما يلي :

العصبة بنفسه : ذكر وحده .

العصبة بالغير : انثى عاصبها ذكر .

العصبة مع الغير : انثى عاصبتها انثى .

والضابط الثاني : ان هذه الانواع الثلاث من العصبات هي في مرتبة واحدة فاذا مااجتمعوا فلايحجب بعضهم بعضاً .

 


[1]برقم 2885 وضعفه الالباني .

[2]برقم 2091 وضعفه الالباني .

[3]برقم 2719 وضعفه الالباني .

[4]اي لايمكن لصاحب الفرض ان يرث كل التركة غالبا .

[5]اعني بالتبصير الفئة غير المتقدمة من الدارسين لهذا العلم . واعني بالتذكير الفئة المتقدمة منهم .

[6]معجم مقاييس اللغة ص 753 .

[7]لسان العرب ص 2964 ومابعدها .

[8]القاموس المحيط ج ص 104 ط الطبعة الاميرية .

[9]عن كتاب احكام المواريث في الشريعة الاسلامية للدكتور جمعة محمد براج ص 479 .

[10]رائض الفرائض ص 91 .

[11]فتح الباري ج 15 ص 429 .

[12]رواه مسلم : كتاب الفرائض رقم الحديث 1619- 15

[13]الاختيار في تعليل المختار ج 4 ص 445 .

[14]كنز الدقائق ص 700 .

[15]تكملة البحر الرائق شرح كنز الدقائق ج 9 ص 364 .

[16]الدر المختار شرح تنوير الابصار ص 763 .

[17]في حاشيته على الدر المختار ج 10 ص 516 .

[18]شرح السراجية ص 8

[19]الكافي ص 568 .

[20]في مواهب الجليل بشرح مختصر خليل ج 8 ص 585

[21]الذخيرة ج 13 ص 52 .

[22]التوضيح شرح المختصر الفرعي لابن الحاجب تاليف خليل بن اسحق ج 8 ص 569 .

[23] لباب الفرائض ص 27 .

[24]كتاب التلخيص في علم الفرائض ص 81 .

[25]البيان في شرح المهذب ج 9 ص 70 .

[26]ينظر نهاية المحتاج في شرح المنهاج ج 6 ص 3 ومابعدها .

[27]التحفة الخيرية على الفوائد الشنشورية ص 104

[28] ص 20

[29]حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء ج 2 ص 845 .

[30]المغني ج 9 ص 9 ط عالم الكتب .

[31]شرح منتهى الارادات ج 4 ص 562 ومابعدها .

[32]ج 10 ص 382 .

[33]الفروع ج 8 ص 20 .

[34]الفوائد الجلية في المباحث الفرضية ص 38 .

[35]شرح القلائد البرهانية للشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 146 .

[36]الكنوز الملية في الفرائض الجلية ص 43 .

[37]العذب الفائض ج 1 / ص 74 ومابعدها .

[38]النيل وشفاء العليل ج 15 ص 382 .

[39]ج 30 ص 132

[40]الكليات ص 598 .

[41]لباب الفرائض ص 27 .

[42]التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية ص 107 .

[43]ينظر احكام الميراث في الشريعة الاسلامية ص 479 .

[44]ينظر احكام الميراث في الشريعة الاسلامية ص 516 .

[45]ارواء الغليل ج 6 ص 109 . وقد فصل الشيخ الالباني فيه القول في تخريجه فليراجع هناك من اراد الزيادة .

[46]في صحيحه برقم 2561 . ورواه كذلك في مواضع اخرى من صحيحه .

[47]احكام الميراث في الشريعة الاسلامية ص 519 .

[48]بتحريك النون والسين ماخوذة من النَسَب .

[49]ينظر التعريفات ص 126 .

[50]ص 999 طبعة دار ابن حزم في مجلد واحد .

[51]ينظر المصدر السابق .

[52]أي عدة اصحاب العصبات من الذكور . ينظر لباب الفرائض ص 28 .

[53]التحقيقات المرضية ص 108

[54]التحقيقات المرضية ص 108 .

[55]التحقيقات المرضية ص 114 ومابعدها . والعذب الفائض ج1 ص 75 .

[56]التحقيقات المرضية ص 109 .

[57]الجامع لاحكام القران ج 6 ص 101 .

[58]في التحقيقات الجلية ص 109 .

[59]احكام الميراث في الشريعة الاسلامية للدكتور جمعة محمد براج ص 497 .

[60]ينظر التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية ص 110

[61]احكام الميراث في الشريعة الاسلامية للدكتور جمعة محمد براج ص 504 بتصرف يسير .

[62]احكام الميراث في الشريعة الاسلامية للدكتور جمعة محمد براج ص 488 .

[63]البيان في شرح المهذب للعمراني اليمني ج 9 ص 11 .

[64]التوضيح شرح المختصر الفرعي لابن الحاجب تاليف خليل بن اسحق المالكي ج 8 ص 570 .

[65]التحقيقات المرضية ص 72 و73 .


 

...

 

Copyright © 2013 All rights reserved.

Flag Counter