تأملات في مؤتمر الشيشان :

بقلم الدكتور بلال فيصل البحر :

 

طالعتُ بعضَ ما كتبه الناسُ عن مؤتمر السنة بالشيشان، وغالبها عن إخراج السلفيين من مسمى أهل السنة، مع أني لم أقف على نص صريح على إخراجهم في البيان الختامي، بل الذي فيه ذكر الحنابلة وهم من جملتهم، وإن كانوا غير مقصودين بـهم قطعاً.!

والظاهر أن مجردَ عدم النص عليهم هو الإشكال من جهة أنه لو قُدِّر أن السلفيين عقدوا نظيرَ هذا المؤتمر بالسعودية، فالـظن بـهم أنـهم لن يجازفوا بمثل هذه الأحموقة التي ركبها مؤتمر الشيشان، على الأقل في مثل هذا الوقت والظرف اللذين هجما على الأمة! فكيف ومؤتمرات السعودية في الحج وغيره يشهدها ويتصدرها الأشعرية والـمخالفون للسلفيين دون نكير.!؟

وبقطع النظر عمن حضر المؤتمرَ وأين عُقد، إذ الظاهر أنه مرعى اختلط بالهوامل التي لم يكن من شأنـها لا الأشعرية ولا السنة، فقد أخرجت الـمِقدحةُ ما في قعر البُرمة، واستبان أنـهم إنما قصدوا تقرير جَور الطغاة وظلمهم وإلصاقه بأهل السنة.!

والأمر قديم أعني بغي غير السلفيين على السلفيين بإخراج جملتهم من مسمى السنة، وظلمهم حتى في الحكم كما نقل الحافظ ابن حجرأن ابنَ مرّي الحنبلي تكلّم في التوسل والزيارة على طريقة ابن تيمية، فرُفع إلى القاضي الأخنائي المالكي فضربهُ ضرباً مبرحاً حتى أدماه، ثم شهره على حمار أركبه عليه مقلوباً، ثم نودي عليه هذا جزاء من يتكلّم في حقّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكادتْ العامة تقتله.!

ثم إنشخصاً يُقال له ابن شاس من غير الحنابلة، حضر درساً فانجرَّ البحثُ إلى أن صوّب ما نُقل عن ابن مري الحنبلي في مسألة التوسل فوثبَ به جماعةٌ وحملوه إلى القاضي المالكي المذكور، وشهد عليه جمعٌ كبيرٌ، فدافع عنه القاضي، فجهدوا به أن يفعل معه ما فعل بابن مري أو بعضه فلم يفعل! فنُسب إلى التعنّت في ذلك حتى قال فيه البرهان الرّشيدي:

يا حاكماً شيّد أحكامه...على تُقى الله وأقوى أساسْ

مقالةً في ابنِ مرّي لُفّقَتْ...تجاوزتْ في الحدِّ حدَّ القياسْ

ففي ابنِ شاس قطُّ ما أثّرت...فهل أباحَ الشرعُ كَفْرَ ابن شاسْ

وهكذا بغْيُ السلفيين على خصومهم من الأشعرية ونظرائهم بـمثل ذلك، كقول الرُّستميُّ من غلاة الحنابلة:

 الأشعريةُ ضُلّال زنادقة.....إخوانُ مَنْ عبدَ العزّى مع اللاتِ

بربـهم كفروا جهراً وقولهمُ.........إذا تدبرتَه أسوا المقالاتِ

ينفون ما أثبتوا عوداً لبدئهمُ...عقائدُ القوم من أوهى المحالاتِ

وقد نقضه عليه بعض الأشعرية فقال:

كفراً بعلمك يا ابنَ رُستمَ كلِّه...وبـما حويتَ سوى الكتاب المنزلِ

لو كنتَ يونسَ في رواية نحوه..أو كنتَ قُطربَ في الغريب المـُشكلِ

وحويتَ فقهَ أبي حنيفة كلَّه............ثم انتميتَ لرُستمٍ لمْ تنبُلِ

ونظير صنيع الرستمي ما في نونية القحطاني وفتيا أبي إسماعيل الهروي بعدم حِل ذبائح الأشعرية وقصيدة أبي الحسن الكَرجي بالجيم بتقدير صحتها وفيه نظر بدليل أنه نقل في (الفصول) عن الهروي أنه أنشد:

كُنْ إذا ما حَادَ عَن حدِّ الهُدى ... أشْعرِيَّ الرأي شيطانُ البَشَرْ

شافعيَّ الشَرع، سنيَّ الحُلى ... حنبليَّ العقد، صوفيَّ السِّيَرْ

ولا ريب أن المجتمعين قد افتات كبراؤهم على الأشعرية والماتريدية قبل السلفية، فإن كثيراً من المنصفين من الأشعرية لا يرضون ما وقع فيه، على أنـهم قضوا بأن الأمة شر الأمم وأقلها سواداً وهو خلاف النص والإجماع، فإن من فيهم يقول بتقدير صحة النقل عنه إن السلفيين كافة ليسوا من السنة، ثم يقول إن الإخوان وهم صنفان فمن كان منهم أشعرياً صوفياً فقد خرج عنده من مسمى السنة بدعوى كون الإخوان من الخوارج، وإلا فهو سلفيٌّ خارج أصلاً عنده، فمن بقي من الأمة.!؟

وما الذي أوجب أن يكون المثبتةُ من السلفيين خارجين عن مسمى السنة من حيث يدخل فيه أهلُ التأويل والتفويض والكل ثابث عن السلف! وكيف حلَّ لكم إخراجُ المثبتة بتقدير غلوهم في الإثبات حدّ التجسيم من حيث أدخلتم أبا منصور الحلاج الذي أفتى بعض فقهاء الوقت بحِلِّ دمه كأبي عمر القاضي وأبي يعقوب النهرجوري وغيرهما، وكان أبو حامد الغزالي يرى أن قتله أفضل من إحياء عشرة، وكذا نظراؤه من غلاة المتصوفة كابن سبعين وابن الفارض والعفيف وغيرهم.!؟

فإن كان ما يُنقل عنهم من المقالات التي هي كفر في الظاهر يمكن معه تأويله والاعتذار عنه بما يدفع عنهم الشناعة التي تقتضي إخراجهم عن مسمى السنة، أمكن مع غلاة الـمُثبتة مثله من التأويل والاعتذار ولا فرق.

ومن عجب أني شهدتُ مؤتمر التصوف بالقاهرة إبان حكم الإخوان، فانتدب المدعو أحمد كريمة الأزهري في كلمة ذمَّ فيها السلفيين فأقذع حتى قال بالحرف: ينبغي أن نقاتل الفكر الوهابي البدوي السعودي بالسلاح ولا يكفي القلم والفكر! فلما قضى اللهُ زوالَ حكم الإخوان سمعنا هذا الأزعكي الأزهري يمتدح السعوديةَ ومَلِكَها على مساندتـهم مصرَ في الإطاحة بالإخوان حتى وصفها براعية مصالح الإسلام.

والعجب كذلك من استعانتهم بالسلفيين بمصر كحزب النور في هذا القيام معهم بـهذا الأمر! فالسلنفوري إذن حمار الشخزهري على حدِّ قول القائل:

وإذا تكُنْ كريهةٌ أُدعى لها....وإذا يُحاس الحيسُ يُدعى جندلُ

والغريب أن كثيراً من الأزهريين الذين هم أشعرية وماتريدية كما قال فيهم الشيخ كشك رحمه الله في تعليقه على حديث مولى النبي صلى الله عليه وسلم وقد صبَّ عليه الوضوء فقال له: سلني؟ فقال: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال الشيخ كشك: لو أنه عليه السلام سأل بعض أزهريي الدولة اليوم لقال الواحد منهم: عاوز أروح الكويت والسعودية! أقول: الغريب أن أكثرهم يعمل مدرساً بمعاهد وجامعات السعودية فماذا تراه يقرر للطلبة في دروس الاعتقاد؟ رأيَ الأشعري أم الماتريدي؟ ولذا تجد من كان منهم ذا دين وورع قد أفضى به الحال إلى فسخ عقده هناك كما وقع للدكتور عبد العزيز سيف النصر.!

وأما عقلاء الأشعرية فكما قال بعضهم وقد سُئل عن السلفيين فقال: نحتاج إليهم ويحتاجون إلينا، وهذا الذي ينبغي أن ينتحله عقلاء السلفيين ولا بد كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية عن نفسه أنه من أعظم القائمين الساعين في التأليف والتقريب بين الحنابلة والأشعرية.

وقد ذكر ابن النجار عن الأستاذ أبي طالب ابن الخيمي النحوي أنه قال: لـما توفي أبو عثمان الفقيه الشارعي الحنبلي بالقاهرة لقيني بعضُ الأشعرية فذكره بما يذكر الأشعريةُ الحنابلةَ، ونـهاني عن الصلاة عليه، فإني تلك الليلة نائم، إذ رأيتُ اثنين فأنشداني:

صَلِّ على المسلمين جمعا ... واغتنم الوقتَ قبل فَوتِهْ

من ذا الذي ليس فيه شيْءٌ ... يقوله الناسُ بعد موتِهْ

قال: فاستيقظتُ وكتبتهما، وصلّيتُ عليه.

وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: (ما زالت الحنابلة والأشاعرة في قديم الدهر متّفقين غير مفترقين حتى حدثت فتنة ابن القشيري) وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: (إنما نفقت الأشعرية عند الناس بانتسابـهم إلىالحنابلة) فكلا الفريقين كما قال الشاعر:

كالعينِماكان يُغني لونُ أبيضها...عن لونِأسودِها فيما له يردُ

هذا بذاكَمحوطٌ فهو حاجبُه...وليس إلا عليه الدهرَ يعتمدُ

وذا بذاكَيرى ما ليس يُـمكنه....طبعاً يراه إذا ما كان ينفردُ

وقد أذكَرَنا مؤتمرُ الفتنةِ هذا بالشيشان بيهوديٍّ كان ببغداد يُقال له (جغْان) وكان له خان ينزل فيه الطُّراق، ويسمر للخمر به الفساق، فاتّفق أن ولده سأله حال سُكره: من يدخل الجنة؟ فقال: يدخلها اليهود أولاً، فقال له: فمن بعدهم؟ فقال: النصارى بعد أن يُعذّبون في النار، قال الولدُ: فالـمسلمون؟ فقال: وهل الجنةُ خان جغْان يدخله من شاء.!؟

والحمد لله الذي وسعتْ رحمتُه كلَّ شيء وهو القائل (أهم يقسمون رحمة ربك).؟!

كتبه: أبو جعفر بلال فيصل البحر

 

 


...

 

Copyright © 2013 All rights reserved.

Flag Counter