الفصل السادس

في أنه لايجوزترك مصلحة متيقنة لأجل مفسدة مظنونة كما لايجوز إتيان مفسدة متيقنة لأجل مصلحة مظنونة

وذلك أن المشاهد لدى كثير من العوام والمصلحين العمل بخلاف هذا الاصل وخصوصاً ايام الفتن والنوازل التي تلم بعموم المسلمين ،فإنه يقدم كثير منهم على إتيان محظورات متيقنة لتحصيل مصالح مظنونة. اوترك طاعات متيقنة لاجتناب مفاســـــــــد مظنونة ، فتتعطل بذلك كثير من المصالح وترتكب كثير من المفاسد وتغلق ابواب الخير ويعظم الضرر ،

وممايزيد هذه الحالة سوءاً أنك قد تجد من يقدم على إتيان مفسدة عظيمة متيقنة .وقد يكون ضررها عاماً لأجل مصلحة يسيرة خاصة مظنونة ، وكذا العكس ايضاً ممن يفوت المصالح العامة خشية التعرض لمفسدة يسيرة أوخاصة ،

وزيادة في ايضاح هذا الفصل أقول :

 إن مطلق المصلحة لايسوغ إتيان مطلق المفسدة كما إن مطلق المفسدة لايسوغ ترك مطلق المصلحة بل في المسألة تفاصيل . ذكرها يخرج عن قصد الاختصار، فتأمل ؛

 

 

٭ ٭ ٭

 

 

الفصل السابع

في أن الأصل إعمال الأحكام باليقين لابالشك

 

وهذه قاعدة ينبغي للمصلحين والدعاة العمل بقتضاها . وذلك من أهم العواصم عن الزلل وكبح جماح المتحمسين والمتسرعين في إطلاق الاحكام جزافاً ممانتج وينتج عنه من الظلم والأجحاف ووضع الشئ في غير محله لكثير من الأبرياء من عوام المسلمين وخواصهم جراء التسرع وقلة التثبت بل والتورع عن انتهاك حرمات المسلمين ،وإنك لتجد أكثر من يقدم على إطلاق مثل هذه الأحكام هم من حديثي العهد بالعلم والدعوة ممن لم يكتمل عنده الفهم الكافي لمقاصد الشريعة وكلياتها ،فالواجب على كل مسلم ـ لاالدعاة فحسب ـ أن يتورعوا عن تنزيل الأحكام في المواضع المظنونة ،وأن يبذلوا وسعهم في ذلك ، إذ اللازم بناء الأحكام على اليقين لاالظن مع التنبيه على أن تعذر العمل باليقين ـ أوبالمئنة ـ يسوغ العمل بالظن ـ أوبالمظنة الراجحة ـ بعد بذل الجهد لتحصيل اليقين إعمالاً للنص ،

 

 

 

٭ ٭ ٭

 

 

الفصل الثامن

في إن الأعتبار في الأحكام للكثير الغالب لاالقليل النادر

 

وهذه قاعدة عظيمة النفع واسعة العمل بمقتضاها وهي أحد المخارج عند تزاحم الأحكام الشرعية ،

وبيان ذلك عند وجود وصفين متعارضين في محل حكم ما ، يستلزم تنزيل كل واحد منهما انتفاء تنزيل الآخر ، فيصار الى تقديم الأغلب ،وهذا فيما لو تعذر الجمع بينهما أو افراد كل منهما بحكم مستقل ،

وقد أدى الجهل بهذه القاعدة الى اضطراب ومجانبة للصواب في كثير من مواطن تنزيل الأحكام ، ويتصل بهذه القاعدة قاعدة اخرى وهي :أن الاصل في الأحكام اندراجها تحت منضبط عام دون ما يختص بآحاد الناس ، فانه ينظر في الحكم الشرعي الأصلي الى المصالح و المفاسد العامة وإلى المقاصد العامة ،فلا يقدح في تنزيل الحكم مايتعارض من أحوال آحاد المكلفين مع الحكمة المرجوة من تنزيله ،فلايغير هذا التعارض الجزئي من صفة الألزام والشمول ، لكن ينظر لتلك الجزئية الشاذة فان أمكن الحاقها بالحكم الأصلي بتكييف ما فبها ، وإلا فينظر الى حكم خاص هو من قبيل الفتوى لاتشمل حالة اخرى الابفتوى اخرى ،

 

 

 

٭ ٭ ٭

 

 

الفصل التاسع

في ان الأحتياط للمقاصد أولى من الأحتياط للوسائل

 

والمساعد على العمل بهذه القاعدة العلم الشرعي السليم والدقيق ومعرفة خصائص الأحكام والتفريق بين ماهو مراد لذاته وبين ماهو مراد لغيره ،

فاذا عرف المصلح ذلك وميز بين المقاصد والوسائل تمكن عندها من إعطاء كل حكم شرعي الأهتمام اللائق به ، وتجنب الخلط بين الغاية والوسيلة ، والأسراف في الأهتمام بتحصيل الوسائل وإهمال المقاصد ،

فلاتصح مساواة المقصرين في أحكام هي وسائل مع المقصرين في الغايات والمقاصد،

بل التفاوت حاصل بين الغايات نفسها كما هوحاصل فيما بين الوسائل انفسها ,

فلايصح مساواة الغايات وجعلها بمرتبة واحدة ولاجعل الوسائل بمرتبة واحدة . بل الواجب النظر الى كلام الشارع وماجعله من منزلة لكل غاية اووسيلة بحسبها . فتقدر لكل غاية اووسيلة قدرها .

فتأمل وتأنى ،

 

 

٭ ٭ ٭

 

الفصل العاشر

في تفاوت درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 

فانه مع كون كل من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب اجمالا الا ان في المسألة تفصيل ينبغي التنبه له كما مرت الاشارة في الفصل الخامس .

وبيان ذلك أنه كما تتفاوت درجات المعاصي من صغائر الى كبائر ودرجات الطاعات من مندوب يجوز تركه الى فرض لايجوز تركه إلابعذر أولايجوزتركه البتة ، اقتضى ذلك تفاوت درجات التكليف بانكار تلك المنكرات كل بحسبه ، فانكار المحرم واجب ، في حين أن انكار المكروه مندوب وكذا الأمربالواجب : واجب . والأمر بالمندوب مندوب ، وهذا على سبيل الاجمال .

فلاينبغي للمحتسب ان يساوي حال انكاره للمنكر سائر المعاصي ويجعلها بميزان واحد وكذا عند امره بالطاعات ،

ومن وجه آخر فينبغي أن لايغيب عن بال المحتسب ضابط آخر في غاية الأهمية ، الجهل به قد أوقع كثيرين في مفاسد وتضييع للمقصد المرجو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو مراعاة حال أهل المعاصي وحاله هو من قوة وضعف ، وعلم وجهل ،وقوة إيمان أوضعفه ، فقد يتغير وجوب إنكار منكر ما الى ندب أوتخييرأوحتى التحريم وذلك إذا ترتب على ذلك الأنكار مفسدة أومعصية أعظم ،

 وكذا النظر الى سلوك ماهو اصلح وأكثر تأثيراً من طرق التقويم والأصلاح ،

فمايؤثر من ترغيب على مقصر قد لايؤثر إلاالترهيب على مقصرآخر،

هذا مع التنبيه الى ان واجب الامربالمعروف والنهي عن المنكر لايكلف به كل احد في كل منكر وفي كل معروف فان من المنكرات مالايجوز ازالتها الاممن فوضه الامام بازالتها كاقامة الحدود ، ومعاقبة الجناة ،

 

 

٭ ٭ ٭

 

 

الفصل الحادي عشر

في تفاوت درجات أهل الحق ودرجات أهل الباطل

إذ قد يتوهم كثير من المتصدرين للدعوة أويغيب عن نظره التفاوت الحاصل بين أفراد كل فريق فيتعامل مع كلٍ منهما بمثابة الشخص الواحد ، وفي ذلك من الأجحاف والظلم مالايخفى على منصف ، فإن التفاوت في فهم أصول المذهب بين أفراد متبعيه يقرب من تفاوت عامة المسلمين في فهم دينهم ، والذي يستتبعه ـ أي التفاوت في الفهم ـ عادة تفاوت في الامتثال والعمل بمقتضى ذلك المذهب ،

فما بين منظر أو مؤصل الى مقلد عامي ليس له من ذلك المذهب الا دعوى الانتساب اليه وبين هذا وهذا درجات شتى من الالتزام والتمسك باصوله والدعوة اليه ،

فانحراف أوخطأ أهل الدرجات الدنيا والاقل فهماً من أهل المذهب الحق لايصح تعميمه على من هو فوقه في العلم والايمان ،

كما إن انحراف المؤصلين وأئمة المذاهب الباطلة قد لايصح تعميمه على العوام والمقلدين من أتباعه ممن لم يطلع على خفايا المذهب وأصوله المنحرفة ،

ويلحق بهذا الأصل أصل آخر وهو أن أهل البدع خير من الكفار بالجملة ، وإن تفاوت شرهم وتفاوتت بدعهم ، وأما تفصيلاً فينظر لأهل البدع من وجهين الأول:حال بدعتهم في نفسها والشر المتولد عنها ، الثاني :الشر المتعدي عنهم للمسلمين ، فقد تكون بدعة طائفة ما شر من بدعة طائفة اخرى إلاأن شرهذه الأخيرة المتعدي أعظم ضرراً من شرالأولى مما قد يتساوى أويفوق شر وأذى الكفار للمسلمين ،

لذا فلايليق بخلق المسلم أن يضع أخيه في مصاف الكفار وان كان مبتدعا ،فان كل مسلم هوخير من كل كافر بالجملة ،

 

 

٭ ٭ ٭

 

 

الفصل الثاني عشر

في ان وجود الباطل عند أهل الحق لايسوغ قبوله كما ان وجود الحق عند أهل الباطل لايسوغ تركه

 

وهذا الفصل متمم للذي قبله ، وهو ضابط وواق من التعصب الذي قد وقع فيه كثير من المتحمسين ممن صار الغلو غشاوة على بصيرته فلايعود يرى إمامه ومن يقتدي به الامعصوماً أو كالمعصوم فلايصدر عنهم الاالحق ،

وأن أهل الباطل في نظره شياطين أو كالشياطين فلايصدر عنهم إلاالباطل ،

فالواجب على كل مسلم الأنصاف والأعتدال والتماس العذر وأحسان الظن بأخيه ، مع تحري الحق واتخاذه غاية وان خالف الهوى وخالف من يتبع ،

 وان يكون احب اليه من امامه اومتبوعه وينفي عنه العصمة . فلايبرئه من الخطأ اوالزلل .

 

٭ ٭ ٭

 

الفصل الثالث عشر

في بيان اصول الأعذار

 

ومردها الى اربعة أصول وهي :

الأول :الجهل وفيه تفصيل لايسع استيعابه هذه الورقات لكن أجمل القول فيه وهوأن الظرف الذي يعيش فيه المسلم الجاهل هو من أهم المعايير المعتبرة في العذر بالجهل فيتسامح في المجتمع الجاهل الذي يخلو من العلماء أوطلبة العلم مالايتسامح فيمن عاش في مجتمع عكسه ،وكذا مما انتشروذاع عماغاب ودق من مسائل العلم ،والضابط أنه متى ماكان في وسع المسلم التعلم ولم يطلبه دون مانع معتبر فلايكون معذوراً بجهله غالباً ،

الثاني : التأويل وشرطه أن يكون سائغاً فلايكون عذراً فيما هوجلي متفق عليه أومع خلاف غير معتبر ،

وذلك بأن تكون الشبهة لها وجه معتبر من الشرع أو اللغة ،

الثالث : الأكراه ومن شروطه :عدم القدرة على دفعه وأن يكون ما يقدم عليه أقل ضرراً من الفعل المتروك ،

الرابع : العجز عن الأمتثال كالمرض والأغماء والجنون ،وكذا النسيان ،

 

 

٭ ٭ ٭

 

 

الفصل الرابع عشر

في ان أولى الواجبات بالأمتثال هوالواجب الآني

 

وهذا الأصل رادع لتسرع المتحمسين ممـــــن يستعجل الشيء قبل أوانه ،فينبغي للمصلح أن يدرك الواجب المكلف به في حينه ويعمل على الأمتثال له وليمنع نفسه عن الأنشغال بالواجبات قبل أوانها وإن كانت ممايتمناه ،

فالعمل بمقتضى هذا الأصل يخلص المسلم من الحيرة والأضطراب عند ظنه تزاحم الأحكام ومانعة له من السعي لتحصيل مقاصد قبل التهيؤ لها ،

فان من استعجل الشئ قبل اوانه عوقب بحرمانه منه شرعاً اوقدراً .

 

٭ ٭ ٭

 

 

الفصل الخامس عشر

في ان تحصيل التمكين ثمرة لاغاية

 

فلايهلك المسلم نفسه ويقدم على مخالفات ويتكلف في تأويل النصوص لتحويل هذه الثمرة الى غاية . وغاية عظمى ينبغي السعي لتحصيلها . متساهلاً بل ومهملاً تحصيل الغايات الحقيقية ، فالتمكين منَة من الله تبارك وتعالى ونعمة يتفضل بها على مَن عبَدَ الله وحقق التوحيد وعمل الصالحات ،

فتأمل قوله تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لايشركون بي شيئاً ) ففي ذلك كفاية لمن تأمَل وفهم ،

 

٭ ٭ ٭

 

 

الفصل السادس عشر

في تأثير حال التمكين والأستضعاف

في تغير الأحكام

ويلحق بذلك أثر اختلاف الدارين كذلك ومايتبعه من اتساع باب الرخص وسلوك الصفح والصبر واللين حال الاستضعاف بخلاف حال التمكين فينبغي للدعاة والمصلحين مراعاة تغير هذه الأحوال فهذا الأصل هو من مواطن العمل بمقتضى الفصل الخامس إذ ماكان واجباً أومحرماً حال التمكين لابد من النظر الى حال المكلف وقدرته على الأمتثال لذلك الحكم الشرعي في حال الأستضعاف فلا يجوز التسوية بين الحالين أوالدارين في التعامل مع المسلم أومع الكافر،

وقد أدى الجهل بهذ االأصل العظيم الى ارتكاب كثير من الأخطاء والوقوع في مفاسد ماكان ينبغي أن ترتكب وتضييع لمصالح ماكان ينبغي أن تضيع وظلم كثير من المعذورين وأصحاب الرخص لوعمل بمقتضاه ،

 

٭ ٭ ٭

 

والله تعالى اعلم واحكم والحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات،

 

 

 

 

وكان الفراغ من تبييضها في الحادي عشر من رمضان عام 1419 للهجرة الموافق 1998 وأعدت كتابتها والزيادة عليها في العشرين من شوال عام1427للهجرة الموافق 2006 

...

 

Copyright © 2013 All rights reserved.

Flag Counter