بقلم عبدالقادر شاكر

انتشر بين الناس -هذه الأيام- الاهتمام بالأحلام وتفسيرها، وتصدَّر بعضٌ منهم لتعبيرها، بين متقن، ومجازف، متسرع في ادعاء المراد من تلك الرموز التي يراها الإنسان في منامه، لكن ليس القصد من هذه المقالة الخوض في علم التعبير، بل صدَّرتُ القول في ذلك لما له من صلة وثيقة بموضوع هذه المقالة التي تتناول علماً غامضاً وغريباً بالنسبة لكثير من الناس، وهو (علم رموز اليقظة)، والذي قد يظنه بعض الناس علمَ الفراسةِ، وليس كذلك، بل علم الفراسة جزء من علم يمكن أن نسميه بـ "علم تفسير رموز اليقظة"، وذلك باعتبار أن تعبير الأحلام: علم تفسير الرموز التي يراها الإنسان في نومه، وبالتالي يقابله العلم الذي يفسر رموز اليقظة، ولا شك فإن مكوناته و متعلقاته أوسع بكثير من رموز النوم، وقد يتساءل بعضكم: هل لكلامك من دليل يُستأنس به من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؟
فالجواب: "نعم" بل و أدلة كثيرة، فمن كتاب الله تعالى قوله سبحانه {إنَّ في ذلكَ لآياتٍ للمتوسِّمين} [الحجر : 75] ، فقد روى الطبري في تفسيره للآية آثاراً كثيرة عن أهل العلم في أنَّ المراد بالمتوسمين : المتفرِّسين .
وقال النسفي في تفسير الآية: (للمتفَرِّسين المتأمِّلين، كأنَّهم يعرفون باطن الشَّيء بِسمَةٍ ظاهرة)اهـ [تفسير النسفي ج2/ ص 196]
وأصل التوسم كما قال القرطبي: التثبت والتفكر، ثم قال: (وذاك يَكُونُ بِجَوْدَةِ الْقَرِيحَةِ وَحِدَّةِ الْخَاطِرِ وَصَفَاءِ الْفِكْرِ. زَادَ غَيْرُهُ: وَتَفْرِيغُ الْقَلْبِ مِنْ حَشْوِ الدُّنْيَا، وَتَطْهِيرُهُ مِنْ أَدْنَاسِ الْمَعَاصِي وَكُدُورَةِ الْأَخْلَاقِ وَفُضُولِ الدُّنْيَا)اهـ [تفسير القرطبي ج 12/ ص 234]
ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم : مارواه الترمذي (3127) عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله) وأخرجه كذلك الطبري بإسانيد عديدة في تفسيره (ينظر ج 14 / ص 96 ومابعدها) والطبراني في الأوسط (7843)والعقيلي في الضعفاء (4/ 129) والخطيب قي تاريخ بغداد 3/191 –و 7/ 242 . ومع تضعيف الحديث عند بعض أهل العلم ، إلا أن تعدد طرقه يدل على أن له أصلاً ، ويؤيد ذلك مارواه الطبراني في الأوسط (2935) والبزار (كشف 3632) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1693) عنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِبَادًا يَعْرِفُونَ النَّاسَ بِالتَّوَسُّمِ» اهـ .
إلا إن مما ينبغي ذكره هنا إن الفراسةَ أنواعٌ ومراتبٌ، وليس كل مَن وُهِبَ شيئاً من هذا العلم يكون قادراً على التفرس في كل شئ وفي كل حين، وفي ذلك يقول القشيري: (وصاحب الفراسة لا يكون بشرط التفرس فى جميع الأشياء وفى جميع الأوقات بل يجوز أن تسدّ عليه عيون الفراسة فى بعض الأوقات كالأنبياء عليهم السلام فنبيّنا- صلى الله عليه وسلم- كان يقول لعائشة- رضى الله عنها- فى زمان الإفك : «إنْ كنتِ فعلتِ فتوبي إلى الله» . وكإبراهيم ولوط- عليهما السلام- لم يعرفا الرسل )اهـ [لطائف الإشارات ج2/ ص 277].

...

 

Copyright © 2013 All rights reserved.

Flag Counter