بقلم: عبدالقادر شاكر.

تناقل بعض الناس منشوراً عبر الواتس منسوباً لمنظمة الصحة العالمية، تضمن تصنيفاً لمراحل عمر الإنسان، وجاء فيه :
إن الأشخاص إلى عمر 65 يعتبرون في سن الشباب !!!
حيث قسمت حياة الإنسان كالتالي:
 0 الى 17 دون السن القانونية
 17 الى 24 مراهقة
 25 الى 65 شباب
 66 الى 79 متوسطو العمر
 80 إلى 90 كبار سن
 100 سنة فما فوق معمرون
وكان تناقل هذه المعلومات بقصد الفكاهة؛ لاعتبار مضمونها غير واقعي !
أو هكذا ظن كثيرٌ مِمّن قرأها .
لكن ما مدى صحة هذا التصنيف، وما مدى صلته بالواقع؟
بعد تأمل وجدت أن تلك التقاسيم لها ما يؤيدها من الشرع والواقع.

فمعيار الشباب لا يصح أن يقرن بعدد السنين فحسب، فإننا نجد في حياتنا كثيراً من الناس مَن ضعف جسده وأكلته الامراض وهو لم يبلغ بعد سن الثلاثين بل العشرين، وفي المقابل نجد من جاوز الخمسين بل الستين وهو لايزال في قوة ونشاط وصحة، هذا لو قصرنا معيار القسمة على الصحة الجسدية، لكن الأمر في حقيقته لا ينحصر في ذلك، بل الرغبات والعواطف، و حِدّة الذهن، وطريقة التفكير، لها الحق في أن تكون من أهم المعايير في اتصاف الانسان - رجلاً كان أو امرأة - بكونه مراهقاً أو شاباً أو شيخاً .
ولقد تأملتُ في قوله تعالى : ( ...ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ ) الآية : ٥ سورة الحج .

و أشد العمر هو سن الأربعين كما يدل عليه قوله تعالى : (حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ) الآية 15 من سورة الأحقاف ] فسن الأربعين ذروة القوة العقلية والبدنية .
ثم نظرت في سن النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاته، ثم سن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عند وفاته، ثم سن عمر رضي الله عنه عند وفاته ثم سن علي ابن أبي طالب عند وفاته فكانوا جميعاً في سن الثالثة والستين !!!
وحاشى لله تعالى أن يبلغ بالنبي صلى الله عليه وسلم الى أرذل العمر، فكانت وفاته صلى الله عليه وسلم عند آخر سن الشباب، ولا أدلَّ على احتفاظه بشبابه صلى الله عليه وسلم إلى حين موته : من كونه كان بكامل قدراته العقلية والجسدية والعاطفية .
ولا يقولنّ قائل: إن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم .
فالخصائص لا تثبت بمثل هذه الظنون والنظر القاصر، ومحل دحض هذا الرأي لا يتناسب مع هذا المقام .
ويؤيد نفي الخصوصية أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا بمثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من حيث احتفاظهم بسلامة العقل وقوة الجسد، و العاطفة والرغبات الفطرية .
فكان أحدهم يتجاوز الخمسين بل الستين وهو يخوض المعارك الشرسة، ويشاوَر بعقله الراجح في النوازل، و يتزوج وينجب .
وهنا اعرّج على قضية لها نصيب من النظر المشوّه والمفاهيم المغلوطة المتراكمة طيلة سنين طويلة بشأن سن الشباب، وهي الزواج بعد الخمسين من قِبل الرجال والنساء، و ما يتصل بهذه القضية من مسألة فارق السن الكبير بين الزوجين .
فأقول : إن فارق السن الكبير ليس عائقاً عن السعادة الزوجية، ولنا في إثبات هذا الكلام أمثلة واقعية كثيرة تُثبت :
١ - أن الانسان يستمر به الشباب، وتستمر رغباته العاطفية الفطرية، وقدراته العقلية والجسدية حتى بعد مجاوزة الخمسين أو الستين .
٢- وأن فارق السن الكبير بين الرجل والمرأة ليس مانعاً من الانسجام والعيش معاً بزواج سعيد ملؤه الحب والسكينة .
و أكتفي هنا بذكر مثالين واقعيين فقط تجنباً للإطالة، وحتى لا يوصف هذا المقال بالمثالية والبُعد عن الواقع .
فأما الأول فهي زواج الممثل الشهير تشارلي تشابلن من زوجته الرابعة (أونا أونيل) فقد كان يكبرها بستة وثلاثين سنة!!! ومع ذلك فكانت أحب زوجاته إليه وأنجب منها ثمانية أبناء وعاشا حياة سعيدة حتى فارق الحياة .
وأما المثال الثاني فقد حكاه أحد أطباء النفس المسلمين المشهورين، وأحسبه على خير في دينه وأخلاقه وصدقه، فقد حكى هذا الطبيب حالة عُرضت عليه وهي علاقة حب وزواج بين شاب دون الثلاثين من عمره، وبين امرأة في الستين من عمرها، يقول الطبيب : فجلست مع الطرفين كلاً على انفراد ظانّاً أنه سيجد في أحدهما حالة مَرَضِيةّ أو علة نفسية دعتهما الى هذه العلاقة الشاذة (حسب أعرافنا العربية والشرقية) يقول: فوجدتهما طبيعيين سويين سليمين من أي علة أو عَوَق نفسي .
و أقول : إنما هي الفطرة، والحقيقة التي انطمست من عقولنا واستبدِلتْ بتصورات وهمية عضدتها بعض الظواهر القاصرة والجزئية ، ولعل من أسباب ذلك : ضعف بنية الانسان المعاصر بوجه عام لأسباب كثيرة، أدَّت بمجموعها إلى ضعف قدراته الجسدية والعقلية والعاطفية، ما أدى الى ترسيخ وهم حلول الشيخوخة المبكرة حتى قبل الخمسين !
ولقد جالست وتعرفت على رجال و نساء مِمّن جاوز الخمسين من عمره "بوجه عام" ، فكشفوا لي عن رغبات فطرية مشروعة، مكبوتة، أجبرتهم الأعراف الاجتماعية على طمسها وخنقها في دواخلهم خشية السخرية و الاتهامات الجارحة مِمّن حولهم .

ختاماً أرجو أن لا يُتوهم أن آثار هذه المفاهيم المغلوطة  تنحصر في رغبات عاطفية أو حالات شخصية ، بل هي في حقيقة الأمر تتعدى إلى مفاسد عامة في مقدمتها تبكير سن الخمول ، وزرع اليأس والقنوط في نفوس الشباب ، وتحطيم الطموح والانتاج الفكري والبدني على حد سواء .
 

...

 

Copyright © 2013 All rights reserved.

Flag Counter