في سذاجة الأذكياء ومعاناة العقلاء :


كنت أتابع أحد المقاطع على اليوتيوب التي تناولت "الذكاء وصفات الاذكياء" ، وكالعادة فقد كان أكثر المعلقين ينسب لنفسه تلك الصفات، و أنه من الأذكياء الخارقين ومن أصحاب العقول المتميزين .
فالجميع أذكياء وعباقرة ، ويعانون من فرط ذكائهم!!!
فكتبت - معلقاً- كلماتٍ رأيت أعادة كتابتها والزيادة عليها لنشرها هنا لعل الله تعالى ينفع بها .

فأقول :
كثيرةٌ هي مقاطع اليوتيوب التي تتناول الذكاء والأذكياء ... لكني لم أجد من تكلم عن العقل والعقلاء ...
فالعاقل - أيها الناس - غير الذكي ... الأذكياء كثيرون في حياتنا ... و لقد عرفت ورأيت الكثير من الاذكياء "بمعايير الذكاء التقليدية" الناجحون في حياتهم ودراساتهم ، لكنهم مع ذكائهم فهم تافهون في تفكيرهم ، تافهون في تعاملهم، تافهون في اهتماماتهم ، بل تافهون في معالم شخصيتهم بوجه عام .

لكن أعياني البحث عن العقلاء .
إذ ليس كل ذكي عاقل .
فأزمتنا - نحن العرب والمسلمون - في قلة العقلاء ، وهذه مأساة لايذوق لوعتها ولا يعانيها إلا العقلاء أنفُسُهم ؛ لأنهم غرباء عن كل مَن حولهم .

يعانون من تفشي التفاهة حولهم في كل جزئيات الحياة ، وفي سلوكيات الناس، وطرق عيشهم واهتماماتهم في هذه الدنيا ... المثيرة للشفقة .
فالعاقل هو :
الراقي والمتميز في تفكيره ، الراقي والمتميز في تعامله حتى مع التافهين ، الراقي والمتميز في اهتماماته ، الراقي والمتميز في تعامله مع الأحداث .
لكن في كل أحواله لابد لاكتمال رجاحة عقله أن يكون ذكياً أيضاً .
فكل عاقل ذكي لكن ليس كل ذكي عاقل .
فالعاقل أرقى و أعلى منزلة من الذكي .
وأقول : بالرغم من كثرة ما قيل وكُتب عن أسباب الانحطاط والضعف والتخلف الذي تعانيه هذه الأمة، بالرغم من كل هذا الركام إلا أني لم أجد من تحدث عن أزمة العقل، وأهمية العقلاء، ودورهم في النهوض والإصلاح والتجديد .
فلا يظنَنَّ أحد أن مشكلتنا في أزمة الأخلاق، ولا في شحة العلم، ولا في ضعف الإيمان، فحسب ، بل كل تلك التشخيصات تكاد تكون ثماراً لشحة العقلاء وغياب دورهم الفعال في القيادة والتوجيه والتربية ، لكن - ولا شك - فإن رجاحة العقل وحدها لا تكفي مالم تتعضد بالعلم الراسخ والإيمان العميق .


...

 

Copyright © 2013 All rights reserved.

Flag Counter