بقلم: عبدالقادر شاكر
هذه المقالة هي في حقيقة الامر جزء ثالث لمقالتين تم نشرهما سابقاً يكمّل بعضها بعضاً لِتكوّن نظرية متشعبة الفروع في شتى مجالات الدين والدنيا .
وكانت المقالة الأولى هي : (عِشْ حياةَ الممكن ولا تَعِشْ حياةَ المستحيل )
والثانية : (الإخفاق في تحقيق التغيير المأمول)
وهذه التي بين أيديكم هي الثالثة .
فالمتأمل في أساليب القران الحكيم وفي طريقة عرض قضايا التشريع والتقويم يجد وصفاً لا تكاد تخلو منه تلك الآيات القرآنية ، ألا وهو الاستثناء ، سواءً كان استثناءً صريحاً كقوله تعالى (إلا قليلاً) او غير صريح كقوله تعالى (ولكن أكثر الناس ...) فلا تجد أحكاماً أو تشريعيات مطلقةً عن استثناءٍ او تقييدٍ ، فانظر على سبيل المثال في قوله تعالى : ( أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) فليس كل الكافرين لا يؤمنون ، و قوله تعالى : (وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يشكرون) فليس كل الناس لا يشكرون و (وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) فليس كلهم فاسقين ، وقِس على ذلك قوله تعالى : (وَأَكْثَرُهُمْ لَا يعقلون) و(وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) و ( إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ ) و (إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ) و (فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) و (قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ) و (قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ) و ( لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قليلاً) .
وغيرها الكثير من الآيات .
فإذا كان ذلك هو المنهج القرآني في تشريع الأحكام ، وفي الحكم على الناس - مؤمنهم وكافرهم - مطيعهم وفاجرهم - فما بال هؤلاء الإسلاميين يطلقون الأحكام ولا يستثنون !!!
فيطلقون الحكم بتزكية واستقامة أتباع مذهبهم ولا يستثنون .
ويطلقون الحكم بتبديع وتفسيق وتكفير مخالفيهم ولا يستثنون !!!
(قُلْ أأنتم أعلمُ أمِ الله)
ثم ما بال سائر الناس يطلقون تصوراتهم وقناعاتهم ولا يستثنون !!!
فيقعون لأجل ذلك في خيبات و صدمات و نكبات ، وشتى صور الفشل والإحباط؛ بسبب غياب هذا القانون عن عقولهم وطريقة تفكيرهم .
وحقيقة الأمر أن ما من علٍم من العلوم الدينية أو الدنيوية ألا ويخامره استثناءٌ في قواعده وأحكامه ، ويتضح ذلك جلياً في أحكام الشريعة ، فإن الاستثناء واقع متحقق فيها : إما منصوصاً عليه تأصيلاً ، أو ملجوءاً إليه تنزيلاً .
ثم قِس على ذلك باقي العلوم والمعارف ، وحتى طبائع البشر ومكونات شخصية كل إنسان ، ولو أن كل إنسان استحضر هذا القانون العام والشامل في دينه ودنياه ، في أفعاله هو ، وفي تعامله مع الناس : لجنّب نفسه الكثير من النكبات والمفاجآت غير السارة .
فاستثناء بعض البشر من قوانين المرض و العلاج : وارد .
واستثناء بعض البشر من قوانين النجاح والفشل : وارد .
واستثناء بعض البشر من قوانين الاستقامة و الانحراف : وارد .
واستثناء بعض البشر من قوانين الصلاح والفساد : وارد .
بل واستثناء بعض البشر من قوانين الخير والشر : وارد أيضاً .
...