الطب الشخصي : صورةٌ من صورة الافتاء الشخصي:
*******************


في مقال سابق بعنوان ( الإخفاق في تحقيق التغيير المأمول) أشرتُ فيه إلى أن تشخيص الطبيب لِداء المريض هو ضربٌ من الاجتهاد ، وبالتالي فهو قابل للخطأ مهما كان الطبيب حاذقاً .

وفي حديث لأحد الأطباء صرح فيه : إن المؤسسات الطبية في الولايات المتحدة الأمريكية تتجه الان نحو ما أسماه بـ " الطب الشخصي"

 ( personal  medicine)

 

 

 

 

 و عنى به : أن لكل مريض حالتُهُ المَرَضيِّة الخاصة به ، فلم يعد تشخيص المرض الواحد مُلزِماً لتعيين الدواءِ ذاتِهِ لكل المرضى المصابين به ، بل لابد من معرفة قائمة طويلة من الصفات الذاتية لكل مريض قبل أن يوصف له العلاج : كيف ولد؟ وكيف كانت رضاعته : طبيعية أم صناعية ؟ ما لون بشرته ؟ كم عمره ؟ كم وزنه ؟ ذكر أم أنثى ؟ بدين أم نحيف ؟ ... الخ .

ثم بعد كل هذه المعطيات يتم تشخيص مرضه ومن ثَمّ تعيين الدواء المناسب له بالذات دون غيره من المصابين بذات المرض ، بخلطات معينة وجرعات معينة ، و بالتالي فلم يعد يُكتفى بتشخيص ماهية المرض فحسب ، بل لابد من معرفة كل ما تقدم ذكره من تفاصيل .
و هذا التوجه لدى هذه المؤسسات الطبية يشير إلى تثبيت حقائق في غاية الأهمية لا يتسع المقام لتفصيلها ، لكن أذكر منها هنا : ما أشرتُ إليه آنفاً من أن عمل الطبيب ماهو إلا ضرب من الاجتهاد ، بكل ماتعنيه كلمة "اجتهاد" عند الفقهاء ، وفي مثل هذا الاستفصال يقول ابن القيم عن المفتي إذا سُئل ( عن رجل حلف لا يفعل كذا وكذا ، ففعله ، لم يَجز له أن يُفتي بحِنثِهِ حتى يستفصله : هل كان ثابت العقل وقت فعله أم لا ؟ و إذا كان ثابت العقل فهل كان مختاراً في يمينه أم لا؟ وإذا كان مختاراً فهل استثنى عقيب يمينه أم لا ؟ و إذا لم يستثنِ فهل فعل المحلوف عليه عالماً ذاكراً مختاراً ، أم كان ناسياً أو جاهلاً أو مُكرَهاً ؟ وإذا كان عالماً مختاراً فهل كان المحلوف عليه داخلاً في قصده و نِيّته ؟ أو قصد عدم دخوله فخصصه بنِيّته ؟ أو لم يقصد دخوله ولا نوى تخصيصه ، فإنّ الحِنث يختلف باختلاف ذلك كله )اهـ . [ينظر : اعلام الموقعين : ج٦/ص٩٢ ]
فتأمّلوا في المقالين ، وقارنوا بين الحالين ، عسى الله أن يفتح لكم باباً آخر من العلم فترتقوا في مراتب الفهم .

 


...

 

Copyright © 2013 All rights reserved.

Flag Counter