*التنبئة في أسرار فقه الحسنة والسيئة* :

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

كتبه: عبدالقادر شاكر.

لعل مثل هذا العنوان قد مرّ على بعضكم، لكن من غير الجانب الذي أتناوله هنا، وأكاد أجزم أن هذا الباب من أبواب العلم لم يُفرِدْه أحد بكتاب أو حتى بحث مفصل، على مستوى المطبوع من الكتب والبحوث التي اطلعت عليها، رغم أهميته وخطورته، وضرورة تقييد مسائله وضبط أصوله .

 

 

وقد سبق أن أشرت لأصل مهم من أصوله في كتيب لطيف ألّفته قبل ما يقرب من عشرين عاماً، وهذا الأصل هو :

 

 

*ثبوت الحكم على وجه الاقتضاء تأصيلاً لا يستلزم بقاءه كذلك تفصيلاً، وثبوت الحكم على وجه التخيير تأصيلاً لا يستلزم بقاءه كذلك تفصيلاً .*

 

 

و قد أشار الشيخ ابن عطاء الله السكندري -رحمه الله - من طرف خفيٍّ مجملٍ لجانب آخر من هذا الباب وذلك في الحكمة رقم [٩٥] من حِكَمِه النفيسة إذ يقول :

 

 

{ *رُبَّما فَتَحَ لَكَ بابَ الطّاعَةِ وَما فَتَحَ لَكَ بابَ القَبولِ، وَرُبَّما قَضى عَلَيْكَ بِالذَّنْبِ فَكانَ سَبَبَاً في الوُصولِ* }

 

 

وقد كاد أن ينحصر عمل الفقهاء في توصيف أفعال المكلفين، بأحد أوصاف الأحكام الخمسة المشهورة ثم ينتهي نظرهم، وينقطع بعد ذلك عملهم، إلا في أبواب الضمانات والعقوبات .

 

 

فهم -مثلاً - يقولون : بوجوب الخمس من الصلوات، و ندب الصدقات  وحرمة المسكرات، وكراهة تضييع الأوقات، و إباحة الطيبات .

 

 

وإلى هنا تنتهي وظيفة الفقيه، ويذرون ما بعد ذلك من أسرار الشريعة : للوعاظ وعلماء التزكية؛ ليتناولوا ما يترتب على أفعال المكلفين تلك من آثار محمودة أو مذمومة، وهؤلاء - أعني الوعاظ وأضرابهم - أفسدوا و أضرّوا بأحكام الشريعة كثيراً؛ إذ أوهموا الناس أن لكلِّ عملٍ موصوف بالحرمة أو الكراهة : أثرٌ واحد مذموم، و أن لكل عمل موصوف بالوجوب أو الندب : أثرٌ واحدٌ محمود .

 

و هنا يشتد النكير، ويزداد التزوير لشريعة الله العليم الخبير، إذ غيّبوا جانب أسرار الفقه بالدين في اختلاف آثار أفعال آحاد المكلفين، بحسب جملة من العوارض والأوصاف متعلقة بالمكلف، و بالظرف، و بالحكم، يطول استقصاؤها، مؤثرة في تغيير التوصيف الأصلي لفعل المكلف، وآثاره .

 

فإن الإبقاء على ذات التوصيف للفعل الصادر من العبد مهما تغيرت تلك العوارض والأوصاف : هو كمن يثرثر بالقول بوجوب الصيام في رمضان على كل مكلفٍ ومكلفةٍ مهما تغيرت الظروف والأحوال والعوارض، بذريعة أن صيام رمضان واجب في تأصيله، فلا يتغير مهما تغيرت أحوال المكلفين !!!

 

فكما أن قائل مثل هذا القول يستحق التوبيخ والزجر، بل والحجر .

 

فكذا من يطلق القول : إن كل طاعة -أو حسنة - لها ذات التأثير والتوصيف مهما اختلفت أحوال المكلفين، وأن كل معصية -أو سيئة - لها ذات التأثير والتوصيف مهما اختلفت أحوال المكلفين .

 

بل الصواب - كما أشرتُ في التأصيل المذكور أول هذه المقالة - إن الحسنة قد يعظم ثوابها فوق المعهود، او حتى يلغى اثرها المنشود، أو تتحول إلى معصية بالنسبة لبعض المكلفين .

 

 

و أن السيئة قد يعظم إثمها، أو يلغى أثرها أو تتحول إلى طاعة بحسب أحوال المكلفين.

فلا يغترَّ أحدٌ بطاعة أحد فيما يظهر للناس، ولا يكترث أحد بمعصية أحد فيما يظهر للناس، فإنه لا يعلم أثر مقدار ومنزلة كلٍّ منهما -الحسنة والسيئة - عند الله إلا هو سبحانه .

 

 

 

هذا الباب متشعب المسائل متعدد المنازل ، فأسأل الله تعالى أن أكون قد وفقت في جمع معالمه في هذه المقالة الموجزة .

 

 

...

 

Copyright © 2013 All rights reserved.

Flag Counter