بقلم عبدالقادر شاكر:
كثير من الناس قد اختزل في ذهنه أوهاماً ظنها حقائقَ ثوابتَ، مشى عليها في حياته ، وبنى عليها قراراته .
توهماً منه أنها صحيحة مطلقاً، غير قابلة لإعادة النظر والاستثناء، من نحو :
[لا يصح إلا الصحيح]
[كلُّ مَن سارَ على الدرب وصل]
وغيرها الكثير من الإطلاقات أو "الثوابت الوهمية" التي يظن كثير من الناس أنها صحيحة مطلقاً .
لكننا في واقع الحال نجد كثيراً مِمّن سار على الدرب ولم يصل، و مِمّن لم يسر على الدرب لكنه وصل.
ونجد في كثير من الأحداث والوقائع أن الصحيح لا يصح ولايدوم، وغير الصحيح يصح ويدوم !
بل ونجد من يتناول الدواء الخطأ ويشفى .
ومن يتناول الدواء الصحيح ولايشفى، بل تتفاقم صحته .
ونجد المستقيم يفشل رغم استقامته، والمنحرف ينجح رغم انحرافه، أحياناً .
والمُجِد يُخفِق، والكسول يُفلح، أحياناً .
و نجد أبْنيةً (حِسّيةً كانت أو معنوية ) قد أُسِّسَت على طرق غير صحيحة لكنها نجحت وصمدت ولم تنهار ، وفي المقابل : نجد أبنية (حِسّية كانت أو معنوية) قد أسّست على طرق صحيحة لكنها انهارت ولم تصمد .
وفي الشريعة نجد مَن سار في دينه بناءً على أحاديث ضعيفة الإسناد أو نصوص ضعيفة الاستناد لكنه جنى الثمار المرجوّة من امتثاله ، وفي المقابل قد رأينا كثيراً مِمّن امتثل لأحاديث صحيحة الإسناد أو نصوص صحيحة الاستناد لكنه خاب ولم يجنِ الثمار المرجوّة !!!
فواقع الحال أن كل تلك الإطلاقات هي مستثناة في حقيقة الأمر .
فإننا نجد الاستثناء واقع حتى في نصوص الشريعة المعصومة، سواء كان هذا الاستثناء منصوصاً عليه في التأصيل أو ملجوءاً إليه في التنزيل .
فلا تهلكنّ نفسك أيها الإنسان بتحقيق نيل الكمال، بل يكفيك سعيك إليه و حرصك عليه، وستنال منه ( ظناً لاجزماً) بحسب استعدادك له وإمدادك منه .
فإن الله تعالى يقول :{ فاتّقُوا اللهَ ما اسْتَطعتُمْ } ورسول الله ﷺ يقول : ( إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ )
فتحقيق الامتثال بحسب كل مكلف إنما يكون مقروناً باستطاعته هو، لا بحسب استطاعة غيره .
وهذه الاستطاعة تشمل مبلغ علمه وقوة إيمانه، وسائر مكملات تحقق تكليفه، و بُنية مداركه .
فأنظمة وقوانين الكون والحياة و الدين كلها قابلة للاستثناء .
وبناء على ما تقدم فإن تمام الامتثال، وتحقيق الكمال هو بحسب كل إنسان في تركيبة ذاته وقدراته واستعداده ، لابحسب طموحه ورغباته، كما يشيعه بعض من لاخبرة له بدقائق الحقائق البشرية ، والأسرار القَدَرية .
...