أليس واقع المسلمين -المثير للشفقة - هو صنيعة أكثر أولئك المتصدرين للدعوة و الإرشاد والوعظ ، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة !!!

أليست تلك التناحرات غير الإنسانية ، والعداوات الشطيانية هي من ثمار الرعاية والدعم والتوجيه المتواصل من أولئك !!!

ألم يرسخ في عقل كل متخالف أو مختلف أنه هو ومذهبه - فقط - الظافر بالصواب والحق المبين ، وأن مخالفه في المذهب - مهما كان - هو الضال المنحرف عن الصراط المستقيم !!!

و لو تأمل كلُّ إنسانٍ - مِمَّن يرى نفسه الأسعد من غيره بالحق والهداية - بعينٍ ثاقبةٍ ، وبصيرةٍ متفتحة وعقلٍ متحرر من الكبت والإرهاب الفكري الذي يتقوقع كثير من المسلمين داخله - لو تأمَّل في أحوال مخالفيه مهما بعدوا في نظرهِ عن الحق الذي يظن نفسه عليه ، لاكتشف أنَّ كلاًّ مِن أولئك المخالفلين له - له نصيبٌ من الحق والصواب قلَّ أو كثر ، قَرُبَ أو بَعُدَ عما هو عليه !!!

ثم لو تأمَّل في موافقيه ، وكلِّ مَن يراه على الحق والصواب ، مهما كان في نظره هو الأقرب والأسعد بالحق و الهداية ، لاكتشف أيضاً أن ما مِن واحدٍ مِن هؤلاء إلا و خالطه أو أصابه شيء من الباطل والضلال ، وتلوّثَ بالمآخذ أو المثالب والمعايب ، وإن قلَّ ذلك أو هانَ في نظره ، و أنا أعرفُ أنَّ هذه الكلمات لا تروق لكثير من المسلمين ، و تذهب أفهامُهم كلَّ مذهبٍ في تأويلها بحسب تكوين عقله ، ومبلغ علمه ، ودقَّة فهمِهِ ، إذ على هذه الأركان الثلاثة – مع ركن آخر -  تنبني مداركُ العبدِ ، مهما تبجّح واغترَّ بما عنده .

فيا أيها المسلمون أليس مآل هذا الأمر – في حقيقته - أن يكون مجرد كثرة مرجحات في الحق بحسب نظر وفهم أهله ، وكثرة مرجحات في الباطل بحسب نظر وفهم مخالفيه !!!

وبحسب سعة أبواب تلك المدارك عند كل واحدٍ من بني آدم .

ثم لا يظنَنّ ظانٌّ - أبداً - أن القصد من تسطير هذه الكلمات تمييع الخلافات ، أو السعي لتوحيد المذاهب و الجماعات ، فهذا حلم لا يراود إلا هزيلاً في علمهِ ، قاصراً في عقلِه ، سقيماً في فهمه لأسرار الخلق ومقاصد التشريع .

 وإنما القصد أن يهون ذلك الاحتقان بين طوائف المسلمين ، ويهون ذلك الصراع الذي أهلك الحرث والنسل ، وساهم ولا يزال في مزيد من الضعف والتقهقر والبعد عن الله رب العالمين ، مع مزيد من التخلف الذي نصنعُه بأيدينا ، لا بأيدي غيرنا كما يروج له المنهزمون من الواقع إلى خيالات المجد والعظمة الوهمية .


...

 

Copyright © 2013 All rights reserved.

Flag Counter