قد تكلم أهل العلم والتزكية كثيراً عن الزهد في الدنيا : أهميته وأسبابه و مظاهره وثماره ، بتفاصيل تموج صعوداً وهبوطاً ، قربا وبُعداً من حال العبد المؤمن وواقع الحياة المعاصرة ، فأحببتُ أن ألخّص لمتابعيَّ ما كُتب في ذلك بكلماتٍ يسيرةٍ في ألفاظها ، عميقةٍ في معانيها فأقول :
إنَّ من مظاهر - بل من لوازم - رسوخُ العبدِ في العلم ، والإيمان : أن لا يعود شيء في الدنيا يُحزنه بشدة ، ولا شيء يُفرحه بشدة (مَعاً) ؛ فإنَّ شِدّة الفرحِ دليلُ شدةِ التعلّق ، وشدَّةُ الحزنِ دليلُ ضعف الإيمان ، واجتماعهما دليلُ قلَّةِ العلمِ .
وليس المقصودُ بالعلمِ هنا : العلوم الدينية من تفسير وحديث وفقه فحسب ، بل علمُ العبدِ بربِّه ، وهو من أجلِّ العلوم ، و أعظمها شأناً و أدقها أسراراً و أخفاها مَسلكاً .
فكم من عالمٍ في علوم الشريعة حُجِب وحُرِم ولم ينفعه علمه !!!
قد سلك طُرُقها ، ووُفِّق - فيما يتراءى لنفسه أو لغيره - في بلوغ الغايات ، ونيل المكرمات ، ولا يدري المسكين أنه قد فقد الغاية الحقيقية و حُرِم الثمرة الربانية .
بل وكم من عابدٍ - فيما يظنه الناس - أو يظن نفسه ، وهو محجوب محروم ، قد أتي من جانبٍ غفلٍ عنه أو أهمله !
وكم من فقير في العمل - فيما يتراءى للناس - وقد فتح له الباب و أُذِنَ له بالقرب .
...