ازداد إقبال الناس واهتمامهم – في السنوات الأخيرة – بالاحلام وتفسيرها , وتحليل هذا الاهتمام يطول , وليس هذا محله ولا هو المقصود من هذه المقالة , وإنما أردتُ تنبيه الاخوة الفضلاء الى بعضٍ من أهم ماينبغي للمسلم العامي معرفته بشأن تعبير الرؤى , أو ما يعرف بتفسير الاحلام , وأعني بالمسلم العامي من ليس له دراية بالعلوم الشرعية – بما فيها علم تعبير الرؤيا , وتيسيراً للفهم والاستيعاب فقد جعلت هذه الفوائد في مسائل مختصرة , وكما يلي :
المسألة الاولى : إن تعبير الرؤيا , أو تفسير الاحلام هو علم شرعي , وقصدت بوصفه علماً : أي انه ينبني على أسس وقواعد منضبطة غالباً , ولا يخضع لمجرد الرأي أوالتكهن , بل هو كسائر العلوم , لابد لمن أراد أن تكون له المَلكة والقدرة على تفسير الاحلام – لابد له من تعلم تلك القواعد والضوابط , الا أنه من المهم التنبيه هنا الى ضرورة الالتفات الى الجانب الوهبي من هذا العلم , أي الموهبة التي يهبها الله تعالى لعبدٍ من عباده يكون بها قادراً على تفسير الاحلام , فمن وجد في نفسه هذه الموهبة , فقد تأهل لاولى خطوات اتقان هذا العلم .
وقصدتُ بوصفه( شرعياً ) أي : ان تعلمه أمر مشروع , وليس من قبيل الكهانة او العلوم المذمومة الأخرى , فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتني بتفسير الرؤى لأصحابه رضي الله تعالى عنهم , فكان يبتدئ نهارهم بسؤالهم : هل رأى أحد منكم رؤيا ؟
المسألة الثانية : إن علم التعبير يماثل الافتاء والاجتهاد , من حيث إن المعبر يجتهد في استنباط المعنى أو المعاني التي تدل عليها الرؤيا ، ومن هنا فهو معرض للخطأ في تعبيره للرؤيا , ومن هنا ينبغي اجتناب عرض الرؤى في القنوات الفضائية وتفسيرها بشكل مباشر , دون معرفة حال الرائي وطباعه , وأحواله التي لها صلة وثيقة بتأويل الرؤيا .
هذا وأسباب الخطأ في تعبير الرؤيا كثيرة أجملها في المسألة الثالثة .
المسألة الثالثة : يمكن إجمال أسباب الخطأ في تعبير الرؤيا في ركنين أساسيين :
الأول : الأخطاء المتعلقة بالمعبر نفسه , كقلة خبرته ، وعدم إتقانه لهذا العلم ، أو عدم انتباهه لبعض تفاصيل الرؤيا , والتي قد تؤثر في تغيير معالم الرؤيا ودلالاتها , وأيضا الخطأ في اجتهاده في انتقاء المعنى المراد من تلك الرموز ، فإنه ما من رمز يراه الانسان في منامه إلا وكانت له معانٍ كثيرة , فينتقي المعبر منها مايراه مناسباً لسياق الرؤيا وحال الرائي .
والركن الثاني : الأخطاء التي سببها الرائي نفسه , كعدم دقته في قص الرؤيا لغفلة منه أو نسيان , فإن اغفال كلمة واحدة او مشهد واحد وإن كان قصيراً , أو رمزاً من الرموز التي رآها في منامه قد تقلب تعبير الرؤيا رأساً على عقب ، فيؤدي إهمال بعض التفاصيل الى تغيير مقتضى الرؤيا وبالتالي الخطأ في تعبيرها .
ومن أسباب الخطأ في تعبير الرؤيا , والمتعلقة بالرائي : هي كونه كثير الكذب ، سواء مع الناس أو مع ربه أو مع نفسه ؛ لان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( أَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا) ، أو كونه كثير المعاصي ، ذو روح غليظة .
ومن الأسباب الاخرى تناقل الرؤيا من الرائي نفسه الى ثانٍ وربما الى ثالث لتوصيلها الى المعبر ، وهذا سبب هام من أسباب الخطأ في التعبير , فان الناقل ليس كالرائي نفسه في دقة الوصف واستحضار كافة التفاصيل , وكما أشرت فإن تغيير وصف الرؤيا وإن قلّ أو دقّ يؤدي الى الوقوع في الخطأ في تعبيرها .

المسألة الرابعة : من المهم هنا التنبيه الى الأخطاء الشائعة في علم الاحلام , ومنها أن الرؤيا ينبغي تفسيرها حرفيا بكل تفاصيلها , وهذ غير لازم بل قد ينتقي المعبر من رؤيا مليئة بالتفاصيل , جملة واحدة او بضعة رموز , ويهمل الباقي .
ومنها : ان تحقق مقتضى الرؤيا قد يقع بعد ساعات ، وقد يطول الامد الى سنوات طويلة , كما حصل للنبي يوسف عليه الصلاة والسلام .
ومن المهم التنبيه الى ضرورة الاعتناء بقص الرؤيا ، فإن شعر الرائي أن الرؤيا مخيفة او تشير الى شرور ، او مور غير محمودة ، فليكتمها ولا يقصها على أحد ابداً فإنها لاتضره باذن الله ، فإن شعر ان فيها بشارة او تفاءل بها ، فليحرص على ان لايقصها الا لمحب او شخص عارف بتأويل الاحلام .


...

 

Copyright © 2013 All rights reserved.

Flag Counter