مشكلة المثالية في خطاب الوعظ الديني ونتائجها الكارثية
الحمد لله رب العالمين . والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين .
واله واصحابه اجمعين . وبعد :
كثيرة هي الكوارث والازمات والمحن التي تمر وتعصف بهذه الامة . والخوض في محاولة ايجاد تعليلات لانحرافاتها وتشخيصات لامراضها يطول ويتشعب . مايزيد الامر مرارة وتعقيداً . وكثير ايضاً ممن خاض في هذا السبيل من المشتغلين بالعلم والدعوة والاصلاح بين مصيب ومخطئ . لكنَّ علةً - من تلك العلل – خطيرةً كارثية النتائج وجدتها مغفولاً عنها . سائرون على خطاها برغم ماتولد ويتولد عنها من نتائج سيئة . الا وهي المثالية في خطاب الوعظ الديني .
وبرغم تعدد المذاهب او المناهج الاسلامية وتفاوت اصولها في طرق الاصلاح وتاصيل قواعده الا ان من القواسم السيئة والمشتركة بينها هو ذاك المذكور انفاً . فلاتكاد تجد واعظاً او داعية اومصلحاً يخرج في خطابه عن ترسيخ تلك الشخصية المثالية البعيدة عن الواقع والتي يزداد البعد بينها وبين واقع آحاد المسلمين مايزيد الشقة بينهم وبين دينهم بطريقة غير مرئية او محسوسة . لكن تجد اثارها السئية - لمن تأمل - على كلا الفريقين من المنتسبين للاسلام واعني بهم الفريق المتدين على اختلاف مذاهبهم وفهمهم لدينهم .
والفريق غير المتدين على تفاوت درجات انحرافهم او ضلالهم او فسقهم .
وكان لتراكم هذا الكم الهائل من المثالية غير الواقعية من الخطب والمحاضرات والدروس العامة والخاصة الاثار الكبيرة والسيئة على كلا الفريقين .
فاما على الفريق الاول : فقد كان من اثار ذلك الخطاب التقليدي الشعور بالاحباط والتقصير والقنوط . وجعل المسلم (المتدين) دائم الاحساس ببعده عن الدين الحق والصراط المستقيم ...
واما الفريق الثاني : فلقد كانت نتائجه اسوأ بكثير . فابعدت كثيراً مما لايزال في قلبه شئ من الايمان والامل في رجوعه الى ربه ابعدته عن سبيل الهداية ورسخت في عقله المريض وفهمه السقيم ان لاوسطية بين الفسق والفجور الذي يعيش فيه وبين تلك الشخصية المثالية والتي صارت وهمية لاترى ولاتعرف الا من خلال ذلك الخطاب الوعظي . فكم سمعنا من تاركي الصلاة وضروب المنحرفين غيرهم العبارات ذاتها والتي اقنعتهم بالبقاء على ماهم عليه من الانحراف :
فمنهم من يقول اما ان اصلي _ وفقاً للشخصية المثالية الوهمية التي في ذهنه – او لا اصلي اصلاً
كيف اصلي وفلان امام المسجد يصلي ويفعل كذا وكذا
كيف اصلي وفلان يصلي ويغش
كيف اصلي وفلان يفعل كذا وكذا .. الخ من العبارات المتشابهة في مغزاها ومعناها . فكم من الفساق والمنحرفين احتجوا بهذا التاصيل الفاسد لبقائهم على غيهم .
وكم من الـ(المتدينين) سُقِّطوا ووصموا بشتىى القاب السوء والغش والاحتيال والكذب بل والفسق جراء هفوة او ذنب بدر منهم فخرجوا بذلك عن ذلك القالب الوهمي للمسلم المثالي الذي هو في حقيقة الامر لاوجود له اليوم في واقعنا الا على ألسِنة الوعاظ وخيالات الوهم وسوء الفهم .
الا فليستمع كلا الفريقين ووعاظهم الى حديث النبي ﷺ حيث قَالَ : إنَّكُمْ في زَمَانٍ عُلَمَاؤُهُ كَثيرٌ وَخُطَبَاؤُهُ قَليلٌ مَنْ تَرَكَ فيه عُشَيْرَ مَا يَعْلَمُ هَوَى أَوْ قَالَ هَلَكَ وَسَيَأْتي عَلَى النَّاس زَمَانٌ يَقلُّ عُلَمَاؤُهُ وَيَكْثُرُ خُطَبَاؤُهُ مَنْ تَمَسَّكَ فيه بعُشَيْر مَا يَعْلَمُ نَجَا " .
فاين اولئك من هذا الحديث واحاديث اخرى كثيرة . تؤيد التأصيل ذاته الذي نسطر هذه الاسطر من اجله .
فلكل زمان اهله واحكامه . وشتان ما بين تلك الرموز المثالية من عصر الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين ومن تبعهم الذين لو تركوا عشر مايعلمون – وعلمهم اوسع من علم مَن بعدهم – لهلكوا .
 ثم بين مسلمي هذا الزمان وامثاله الذي برحمة من الله تعالى وفضل لو عملوا بعشر مايعلمون – مع قلة ماعندهم من علم – لنجوا .
 فهل يجد المنصف المتامل مكاناً لتلك الشخصية المثالية في زماننا هذا .

...

 

Copyright © 2013 All rights reserved.

Flag Counter